ببساطة كل مؤمن هو نارسيس الأسطوري, و الله هو انعكاس لصورة المؤمن بنفس الطريقة التي كانت بها عروس البحر في المياة هي مجرد انعكاس لصورة نارسيس نفسه. لاحظ : عروس البحر لم يكن لها وجودا حقيقيا في الأسطورة بل كانت مجرد إنعكاس لشكل نارسيس على صفحة المياة و انعكاس لإحساسه المتضخم بالذات و أهمية الذات .. و بنفس الطريقة تماما يكون الله بلا وجود حقيقي بل مجرد انعكاس لشكل المؤمن على صفحة الحياة و انعكاس أيضا لإحساسه المتضخم بالذات و أهمية الذات.
نارسيس احب عروس البحر لحد العشق و تماهى معها و كان يتغزل فيها و يمجدها مع انها ليست موجودة فعلا, فكل ذلك الحب و الغرام الذي كان موجها من نارسيس لذاته و لشكله و كل الصفات الرائعة التي خلعها نارسيس على صورته في المياة ليس إلا تعبيرا عن الإضطراب المرضي في شخصيته و احساسه المتضخم بجمال شكله و أهمية شخصه .. و بنفس الطريقة يحب المؤمن إلهه و يعشقه و تماهى معه ثم ينافقه و يمجده مع إنه ليس موجود فعلا, فكل ذلك الحب و الغرام و التقوى هو موجه من المؤمن لذاته و حتى كل الصفات الرائعة التي يخلعها المؤمن على إلهه ليست إلا تعبيرا عن الإضطراب المرضي في شخصيته و إحساسه المتضخم بعظمته الشخصية و أهميته الفردية.
بهذة الطريقة يمكن ان نفهم علاقة المتدين المؤمن بإلهه و غيرته عليه و عشقه له بطريقة متطرفة .. يعني في البداية يجب أن نعرف أن المؤمن لا يتعبد لإله موضوعي بأي شكل من الأشكال بل هو يتعبد لطموحاته و رغباته و تصوراته و شهواته و نزواته الشخصية فقط, فالمؤمن يتعبد لذاته حرفيا و ليس مجازيا. و هذا يعني أن أي نقد يوجه لفكرة الإله مع شخص لديه هذا الاضطراب في الشخصية يعتبر اعتداء شخصي عليه و عدوان صارخ على كبرياؤه و أمنه النفسي و سببه الوحيد لعيش هذة الحياة : يعني أي شخص لديه ميل زائد للتدين و التماهي مع إلهه لا يمكن له أن يتناقش بموضوعية في المواضيع الدينية بل أن يصدر منه رد فعل غاضب أو أحمق أو حتى قاتل هو شيء طبيعي جدا بالنسبة لشخص نرجسي و مجنون.
نارسيس حين عكر صفحة المياة و تسبب في اختفاء صورته أصيب بالإكتئاب و مات .. حالة فقدان التصديق بوجود إله أيضا للشخصية النرجسية يعتبر له نفس التأثير : يعني الإكتئاب و فقدان الدافع للحياة بالإضافة للتفكير و الميل في الإنتحار هو نتيجة طبيعية لإختفاء الإله من حياة المؤمن. و هذا عادة ما يجعله ينفر من مجرد فكرة الإلحاد لان الإلحاد لا يمثل نزع القداسة عن الشخصية الكارتونية المسماه “الله” فقط, فالله لا يختلف أبدا عن شخصية مثل “فيغا الكبير” في المسلسل الكارتوني “غراندايزر” مع إنه لا يوجد ناس يتعبدون لشخصية فيغا الكبير.
فلإن العلم موضوعي في جوهره, نجد النرجسيين المتغطرسين هم اعدى اعداؤه. فالعلم ينزع القداسة الخارقة و حتى الأهمية الوهمية للإنسان في الكون .. و هذا ما لا يحتمله مريض بتوهم العظمة و الغارق في ذاته. و لهذا فالإلحاد أيضا لا يتم الحديث عنه كفكرة أكاديمية تشغل بال الباحثين و المتخصصين و لا تهم المواطن العادي, بالعكس .. المواطن العادي يتعامل مع الفكرة بطريقة شخصية و يهاجمها و يكرهها على أساس أنها إهانة له و تحقير من شانه هو شخصيا.
أما الأدلة على هذة العلاقة المرضية بين الإله الخرافي و المؤمن النرجسي فهي عديدة و يسهل ملاحظتها. فمثلا, شيء غريب جدا أن يكون الله صغير النفس محب للنفاق بهذا الشكل :
إله يصر على مدح نفسه و وصف نفسه بتسعة و تسعين صفة يراهم مديح خاص به وحده, ثم يلزم الناس بنفاقه عن طريق ذكرهم: موجود أم لا, إله أم لا .. هذة شخصية نرجسية نموذجية لا ريب فيها, و هي تعبر عن النفوس البشرية الوضيعة بضعفها و تفاهتها باكثر مما تعبر عن شخص خارق و متعالي في جميع الأحوال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق