لذلك لا يمكن إعتبار الجنس البشري أنه شيء واحد فكما كان أوائل البشر يعيشون كقرود وسط القرود إلا أنهم كانوا طليعة أجناس بشرية أكثر حيلة و ذكاء. طبيعي أن الكائنات الحية تتفاوت, ممالك فوق ممالك و طوائف فوق طوائف و رتب فوق رتب و فصائل فوق فصائل و أجناس فوق أجناس و في النهاية شعوب فوق شعوب و أفراد فوق أفراد .. و في كل مرة ظهر تطفر ناجح في أحد أجناس الكائنات الحية يجعلها تصير مختلفة و تستقل عن جنسها الأصلي كان من خلال طليعة من أوائل الجنس الجديد و يمكن أيضا بنفس القياس تصور أن هناك طليعة لجنس آخر متفوق تعيش بيننا و هم إخوتنا و أبناؤنا و إسم الفرد من هذا الجنس القادم : إنسان. و لفظ إنسان هو لفظ إخترعه البشر لكي يطرحوا شكل و خصائص الجنس المتفوق القادم أو المرحلة القادمة من التطور البشري, بالتأكيد الإنسان لن يكون بشريا فالبشر سيكونون هم أصل الإنسان و السلف المباشر له, و لكن هذا الجنس الجديد سيكون أكثر ذكاءا و وعيا و قوة و إمكانيات .. جنس أفضل من الجنس البشري من جميع النواحي.
من يفكر و يعرف و يخترع هم قلة قليلة من البشر الذين يمكن ان ندعو كل واحد منهم إنسانا فهم أذكياء و أخلاقيين, لكن بقية الجنس البشري هم ناس مستهلكين و أغبياء و غير قادرين على الإبداع أو الإختراع او حتى فهم الواقع بشكل سليم و لكنهم مع ذلك لديهم هذا الفخر و الكبرياء لكونهم بشر على أساس أن هؤلاء العباقرة و المخترعين ينتمون لنفس الجنس البشري الذي ينتمون هم إليه .. في الواقع لا, العباقرة و الأذكياء من البشر هم من جنس آخر نشأ بسبب التطفر العشوائي من الجنس البشري بنفس الطريقة التي نشا بها البشر من جنس القرود, و حق هؤلاء الناس العاديين في الفخر بإنجازات العباقرة و الأذكياء هو نفس حق الأسماك و الميكروبات في الفخر بنفس هذة الإنجازات.
عشوائية و حمق الطبيعة
هذا يقودنا لمسألة مهمة, هل الذكي ينتصر دائما ؟ و هل العقل أقوى فعلا من العضلات ؟ و هل الطبيعة تفضل و تنتخب الأكثر ذكاء بالمقارنة بالأكثر سرعة أو قوة أو حتى جمال ؟ و الإجابة هي لا حتما .. الذكاء ليس مفضلا من الطبيعة فوق بقية الخصائص التي يتمتع بها الكائنات الحية , و هذا يبدو واضحا جليا في كل مناحي حياتنا.لا يحتاج المرء الي الإشارة الي علاقة الأذكياء بالأقوياء و بالجميلين بين تلاميذ المدارس الثانوية أو في المجتمعات البشرية عموما, و كيف أن المراهق الذكي يتم معاملته معاملة سيئة أو حتى عنيفة من قبل انداده من نفس السن و تعبيرات مثل : دحاح أو Geek التي يطلقها الطلبة الأقل تحصيلا أو ذكاء على الطلبة المتفوقين أو الأذكياء هي تعبيرات عنصرية بغرض الإهانة و الإحتقار أساسا. و بوجه عام ينظر الناس الأقل علما و ذكاءا الي الناس الأكثر علما و ذكاءا على انهم مدعين و متحذلقين أو حتى انهم (و ياللغرابة) فشلة و متخلفين !!!!
و بالرغم من ان طبيعة و شكل حضارتنا بأكملها و بنسبة 100% لا فضل لأحد فيه إلا الأذكياء من العلماء و المخترعين إلا أن الناس العاديين لا يحبونهم (على الأقل في البلاد المتخلفة) لأنهم لا يفهمونهم .. مع انهم يشعرون بالفخر و الكبرياء بسبب إنتماءهم لنفس الجنس البشري الذي قام أذكياؤه و علماؤه بإكتشاف النظريات العلمية و إختراع الآلات و الطائرات. و لتجدن أشد الناس بغضا و عداوة للذين تذاكوا و تعلموا, هم اشد الناس كبرياءا و فخرا بإنجازات الأذكياء و العلماء.
لكن بوجه عام لا يحصل الذكي او ذو القدرات و الإمكانيات العقلية الكبيرة على تمييز لصالحه من المجتمع بل تمييز ضده في معظم الأحيان. ففيما عدا الوظائف و المهام التي تحتاج الي علم و ذكاء لإنجازها و هي وظائف و مهام قليلة جدا (خصوصا في البلدان المتخلفة) و غالبا لا يكون عائدها المادي كبيرا, نجد ان الغالبية الساحقة من الوظائف و المهام في المجتمع هي وظائف روتينية غبية لا تحتاج الي ذكاء أصلا سواء كان صغيرا أو كبيرا. و على هذا الأساس يكون التمييز دائما لصالح الأقل ذكاءا و علما, فيحصلون على المال و المسكن الرائع و الزوج/ة الأكثر وسامة/جمالا. ثم ينجبون عدد ضخم من الأطفال لا يمكن لأشخاص أذكياء أبدا أن ينجبوه, ثم ياتون بعد ذلك مطالبين بدعم و مساعدة الدولة التي تحصل على ضرائبها من أموال الأذكياء. و هكذا تكون أهم الوظائف من حيث العائد المادي و التقدير الإجتماعي (مثل الغناء و التمثيل و الدين و الرياضة .. الخ) هي وظائف تجتذب الأغبياء و التافهين كما تنجذب الدببة الي عسل النحل.
بل حتى النظام الديموقراطي الذي تم اعتباره و الإتفاق على انه النظام السياسي المقدس هو نظام يعتمد أساسا على حرية اختيار الجهلة و الأغبياء لزعيم يمثل البلد التي تضمهم و تضم الأذكياء و العلماء و المتعلمين أيضا. لكن قيادة دولة تتحكم في مصير ملايين من الناس لا تذهب أبدا الي عالم أو عبقري إلا فيما ندر, و ذلك لأن الناس تكره الأذكياء و العلماء و لا تفهم لغتهم او كلامهم او مصطلحاتهم .. و لذلك تخشى أشد ما تخشى نواياهم تجاه بقية الناس. ليس الله وحده من لا يخشى الا عباده العلماء, و ليس هو فقط من يختار بدوي أمي جاهل لكي يكون نبيا و زعيما على الناس .. بل الناس أساسا هي من تفعل لأن الله ليس إلا كبرياء و غرور البسطاء و السذج. الناس تخشى العلماء جدا و تخشى اكتشافاتهم و اختراعاتهم, و تخشى أكثر من هذا كله أن يتحكموا فيهم و في مصائرهم كما يتحكمون هم في الحيوانات و الكائنات الأقل ذكاء .. و يبدو هذا واضحا بفجاجة في التصورات السنيمائية عن مستقبل أسود يتسبب فيه تحكم و طموح العلماء او عن شخصية “العالم المجنون” و “الطبيب النفساني المجنون” !!
إذن فكل الظواهر تؤكد أن الطبيعة تدلل الجهلة و الأغبياء عن طريق تمييزهم بالمال و السلطة و الجنس و كل شيء. صحيح ان الطبيعة بوجه عام لا تنحاز لاي صفة بعينها في الكائنات الحية بل قانونها الوحيد هو : البقاء لمن هو أصل للبقاء .. أيا كانت قوته أو سرعته أو ذكاؤه أو قدراته أو قوة إحتماله أو حجمه. إلا أن هذا التنوع الشديد و الرائع في الكائنات الحية من أضخم الكائنات الي أكثرها ضآلة و من أسرعها الي أبطأها و من أذكاها الي أغباها, يؤكد أن الطبيعة لا تنحاز الي جنس معين أو صفة معينة .. من يستطيع ان يتكيف مع البيئة المحيطة و يتكاثر بشكل جيد سيستمر و يتكاثر, و لا شان للطبيعة بشكله أو صفاته بعد ذلك. و مع ذلك فمن الواضح من خلال ممارسات الطبيعة الفعلية على الأرض أن الذكاء ليس أحد الصفات التي تحصل على الدعم أو التأييد من خلال هذا القانون الموضوعي الصارم, بل على العكس فالذكاء يعتبر مضطهد و محاصر دائما في الكائنات الحية لصالح القوة و السرعة.
لو كان الذكاء مميزا من الطبيعة لرأينا عدد الكائنات الحية الذكية كبيرا و أنواعها متعددة بمستوى أعداد و انواع الكائنات الحية الطائرة او السريعة أو الضخمة, و لو كانت الطبيعة تدعم الكائنات الحية الذكية كما تدعم الكائنات الحية ذات القدرة الكبيرة على ممارسة الجنس و التكاثر لرأينا العجب في ذكاء و حكمة الكائنات الحية. يعني من يتخيل صراعا يحياه الجنس البشري مع نمور ذكية تستوطن أفريقيا و تماسيح ذكية لها دول في أمريكا بالتأكيد سترتسم ابتسامة كبيرة على وجهه, انه عالم آخر مختلف تماما عن الذي نعيشه حيث البقاء فيه ليس لمن هو أصلح عموما للبقاء .. بل للأذكى بالتحديد, لكن الحال ليس كذلك للأسف, بل على العكس تماما.
الإنتخاب الصناعي
الأفضل إذن لصالح الإنسانية و لصالح إستمرار العقلانية و الذكاء كهوية و قدر لنا كبشر أو كقرود او ككائنات حية او مهما كنا أو سنكون. أن نشيد نظام إجتماعي يقوم بالإنتخاب الصناعي أو الموجه للأذكى و الأعلم من الكائنات البشرية لكي ينتجوا أجيال أكثر ذكاءا و علما. لا عنف و لا قتل و لا ظلم, بل مجرد إعطاء مميزات نسبية لمن هو أكثر علما و ذكاء كطريقة لممارسة الإنتخاب الطبيعي لكن لصالح طفرة بعينها هي طفرة الذكاء .. بدلا من ان تغدر بنا الطبيعة أو تتلاعب بنا.
و كما يقوم الناس حاليا بالتحكم في مواليد الماشية عن طريق تزويج أبقار لها لحم كثير مع أبقار تدر لبنا كثير لكي نتجوا أنواع لها لحم كثير و تدر لبن كثير أيضا. و كما يتم توجيه مواليد أحصنة السبق و الكلاب البوليسية لكي تنتج كائنات اكثر قدرة على تحقيق الوظائف المطلوبة منها, يمكننا عن طريق التعليم و التثقيف العلمي الممنهج و تحكم الدولة في المواليد كما و كيفا ..أن تنتج الإنسانية إنسانية افضل منها من خلال كل جيل أكثر ذكاءا و علما تقوم بولادته و تعليمه و توجيهه لشحذ و إظهار كل ملكاته العقلية.
و تعريف الذكاء يمكن تحديده بثلاث نقاط أساسية :
- الذكاء العلمي : و هو القدرة على إدراك العالم بشكل موضوعي.
- الذكاء التقني : و هو القدرة على إبتداع وسائل و أدوات لتحسين تكيف الإنسانية مع العالم.
- الذكاء الذاتي : و هو القدرة على الإدارة و التحكم في الذات لتحسين تكيفها مع العالم.
1- الذكاء الصناعي Artificialis Intelligentia
و هو الذكاء الآلي الإليكتروني الذي يتوقع العلماء الإنتهاء منه في حدود ثلاثينات هذا القرن. و هو سيكون قادرا على إدراك العالم بأكبر قدر من الموضوعية و معالجة كل المعلومات التي حصل عليها الجنس البشري منذ بدء الحضارة و إستخلاص نتائج و حلول لكي شيء .. و غني عن القول طبعا أنه لن يعاني من حالات مزاجية أو إنفلات سلوكي لأنه آلة مصنوعة لتحقيق أغراضها و لم تنشأ من خلال الصراع مع ظروف الحياة.
2- الإنسان العالِم Homo Scientificus
هم أصحاب العلم الوحيدين حتى الآن. و هم كل المنتمين الي جنس العلماء (المكتشفين و المخترعين) سواء كان هؤلاء العلماء بشر أو آلات أو فضائيين أو ينتمون لأي جنس أو أصل .. كل فرد ينتج إكتشافا علميا أو إختراعا تقنيا و الأقدر على التحكم في إنفعاله و ردود أفعاله بشكل واعي هو عالِم ينتمي الي جنس العلماء. لهذا يمكن إعتبار العلماء هم القديسين و الأنبياء و الرسل و القادة و الزعماء الحقيقيين للجنس البشري, هم ليسوا مجرد بشر عاديين بسبب الطفرة الوراثية التي حصلوا عليها مصادفة من الطبيعة (مثل الرجال إكس في الأفلام الأمريكية) .. و كما نشأ جنس الإنسان العاقل من رحم القردة العليا كذلك يتشكل حاليا جنس الإنسان العالِم من رحم الجنس البشري.
3- الإنسان العاقل Homo Sapiens
هم حملة العلم و داعميه. و هم كل طالب علم أو مستهلك للعلم, مهما كان أصله أو جنسه أيضا .. فالفارق الجوهري بين العالِم و بين المتعلم هو ان الاول ينتج و الآخر يستهلك. طالب العلم يعترف بجهله و لا يرضى به مع ذلك فيحاول مكافحته بقدر إستطاعته .. و هو قد يصير عالما لو تحول من مستهلك فقط للعلم إلي مستهلك و منتج للعلم أيضا.
4- القرد المتحضر Simia Humanissimi
و هم كل منتمي بيولوجيا للجنس البشري لكنه لا يكترث بالعلم و لا يهتم بتنمية ذكاؤه او قدرته على التحكم في ذاته. هم لا يريدون إلا العيش ببساطة مثل بقية الحيوانات و الكائنات الحية .. يحصلون على الغذاء و الجنس و فرص المتعة و الحياة بأقل مجهود. هم يعتبروا محايدين تجاه العلم و الذكاء, قد يستهلكوا القليل منهم فقط. الموقف سليم منهم هو محاولة كسبهم و إستيعابهم ككائنات حية بسيطة غير مؤذية و قليلة الطموح.
5- القرد البشري Simiae Humana
و هم كل المنتمين بيولوجيا إلي الجنس البشري لكن لديهم إعاقات عقلية او ذهنية معينة, سواء بسبب مشاكل وراثية مثل العته المنغولي أو الغباء الوراثي بشكل يمثل إعاقة .. أو بسبب الإنحرافات العقلية العصبية : مثل المرضى العقليين و المصابين بالهلاوس و الجنون بوجه عام. و الإنسانية لديها التزام أخلاقي تجاههم بحيث تقوم بإعالتهم و رعايتهم على ألا تسمح لهم بالتكاثر نهائيا لكي لا يتم تمرير جينات سيئة للأجيال القادمة.
6- الكائنات الحية Organizati
و هم كل الحيوانات و الطيور و النباتات و الكائنات الأساسية التي تحيا على كوكب الأرض دون ان تسبب ايذاء أو ضرر للأجناس الإنسانية بدرجاتها. و يحق للاجناس الإنسانية (طبعا) إستهلاكهم كطعام او استخدامهم كوسائل .. مع الأخذ في اتلإعتبار ان لديها التزام اخلاقي تجاههم بحيث تقوم برعايتهم و الحفاظ على استمرار انواعهم من الإنقراض بشكل إجمالي.
7- المخرب المعادي للعلم Wandalica Anti-Scientia
و هم كل فيروس و كل ميكروب و كل حشرة و كل حيوان و كل بشري و كل كائن حي يقوم بتهديد الوجود الإنساني العاقل أو يقاوم نشر المعرفة العلمية و محاولات زرع و نشر الذكاء بين الناس عموما. أي أنه يإما يحاول قتل أو ايذاء الأجناس الإنسانية .. او يحاول نفي و قتل الإنسانية العاقلة في الناس : و في أي من هاتين الحالتين يتوجب قتله او القضاء عليه او تحييده بشكل منهجي مدروس لا يسبب ضررا آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق