هل يفلح الدين في ردع و تحفيز المؤمنين ؟ |
إذا لم يكن هناك إله و الدين صناعة أرضية بشرية و إذا كانت الجنة كذبة و جهنم خرافة, ما الذي يمنعني إذن من أن أقتل الناس و أسرق و أغتصب و أمارس الجنس مع أمي و أختي و محارمي ؟! حتى لو كان الإله غير موجود و الأديان بشرية فهي ضرورية لكونها تمثل رادع أخلاقي يمنع الناس من إرتكاب الجرائم و الفواحش .. حتى لو لم يكن الدين حقيقة فهو على الأقل ضرورة ! المؤمن هنا يجادل بأن الغاية تبرر الوسيلة, فبعد ان فشل في الدفاع عن خرافاته بأي شكل منطقي أو موضوعي .. يريد أن يثبتها بمنطق عملي و كان التخويف و غسيل الدماغ هو الوسيلة الوحيدة لحمل البشر على التخطيط لسلوكهم و التفكير في تبعات ردود أفعالهم و الترقي في معاملاتم !!
هذا الموقف ليس غريبا من مؤمن بالخرافة, فنسبة ضخمة منهم كافر بالفعل و لا يؤمن بشئ لكنه يدعي الإيمان نفاقا للناس و خوفا من المجتمع .. لهذا يبررون الخرافة لأنفسهم بالميكيافيلية. لكن الغريب هو أن هناك بعض الملحدين و اللادينيين يعتقدون بصدق أن القضاء على الأديان سيؤدي إلي كوارث إجتماعية و إنسانية .. على أساس الحجة الميكافيلية سالفة الذكر : أن الدين يمثل رادع أخلاقي للمؤمنين به !! و هو غريب لأن قائله لا يؤمن بالدين كرادع أخلاقي لنفسه هو شخصيا, فكيف يمكن أن يكون رادعا لغيره ؟!!
الملك العاري
في هذا السياق هناك قصة تبدو موحية و قوية :يحكى أن هناك ملك عظيم في أحد البلاد البعيدة جاءه إثنان نصابان و أخبراه انهما يستطيعان أن ينسجا له ثوبا ملكيا مسحورا له خصائص فريدة, هذا الثوب لا يراه إلا الأذكياء فقط و أي إنسان غبي لن يستطيع أن يرى مثل هذا الثوب. الفكرة أعجبت الملك كثيرا, فأخبرهما انه يريد مثل هذا الثوب حتى يميز به الوزراء و الأتباع الأذكياء من الأغبياء.
ذهب النصابان إلي المغزل لا يفعلان شيئا .. يتكاسلان و يلعبان. ثم بعد فترة أرسل لهما الملك واحدا من حاشية البلاط ليرى إلي أي حد وصلا في عملهما, و حين وصل وجد المغزل فارغا من الخيوط بينما النصابان يتصنعان انهما يعملان عليه و أنهما ينسجان ثوبا و حين سألهما عن الثوب قالا بإندهاش “ألا تستطيع أن تراه ؟”. خشى الرجل أن يظناه غبيا و يخبرا الملك فراح يمتدح ألوان الثوب و تناسقه و حين عاد إلي الملك راح يمتدح الثوب لديه و راح يحكي له عن جماله الذي لم يراه.
و تمر الأيام و يرسل الملك وزيره ليرى إلي أي حد إنتهيا ليتكرر نفس ما حدث مع الرجل السابق و يعود الوزير ليمتدح لدى الملك ثوبا لم يره و نسيجا لم ينسج. و في النهاية أخبر النصابان الملك أن الثوب قد إنتهى و انه جميل و ألوانه رائعة و ان ملمسه خفيف كالنسيم فتشعر أنك لا تلبس شيئا. و بالفعل أذاع القصر ان الملك سيمشي في الشارع وسط موكب عظيم ليرى الناس الثوب الذي لا يراه سوى الأذكياء فقط.
أتى النصابان إلي الملك بالثوب السحري المزعوم, و بدآ يتصنعان أنهما يلبسان الملك شيئا و يمتدحان جماله و روعته بينما كل الحاشية و الوزراء يمتدحونه أيضا خوفا من أن يظنهم الجميع أغبياء لأنهم لا يروه. طبعا لم يرى الملك شيئا لكنه خاف أن يظنه الجميع غبيا فتصنع انه معجب بالثوب الوهمي و أنه يرتديه فعلا ! و هكذا وقف الملك عاريا وسط القصر و أمر بأكياس من الذهب مكافأة للنصابين ليهربا خارج البلاد في الحال.
ثم يخرج الملك إلي الشارع ليسير في موكبه الملكي وسط الناس المذهولة ..
في البداية إندهش الناس من رؤية ملكهم يمشي عاريا فخورا بعريه, و لكن كل واحد منهم خاف أن يظنه الآخرون غبيا .. فراحوا جميعا يهللون و يهتفون بجمال الثوب ليظنهم الجميع أذكياء !! كانت خدعة كبرى لكل الناس , و لكن طفل صغير بسيط كان يشاهد الملك العاري و هو بجوار أمه ضحك و صرخ بأعلى صوته : الملك عاري .. لا يرتدي إلا الملابس الداخلية !! طفل واحد جعل الكل ينفجر ضحكا و سخرية على الملك العاري المخدوع ..
هل يمثل الدين رادعا ؟
هذا هو بالضبط ما يحدث فعلا نتيجة الردع بالاوهام و الخرافات, فالناس قد تهاب الخرافة حينا و قد يردعها الوهم لفترة .. لكنهم بعد فترة سيكفرون بها بشكل عملي سواء بوعي أو بلا وعي. مفهوم الردع عموما من الممكن فهمه أكثر بمراجعة احد تطبيقاته, الردع النووي مثلا. فكرة الردع النووي بدأت مع الرعب الذي إنتشر في العالم من بعد متابعتهم للقدرات الرهيبة للقنابل الذرية على التدمير و الإيذاء في هيروشيما و ناجازاكي, رعب أجبر الكثيرين على السعي لإمتلاك هذا السلاح .. ليس لإستخدامه في الحروب و إنما لردع من يملكه فعلا و لإكتساب رهبة في التعامل مع من لا يملكه.و منذ أن حصل الإتحاد السوفيتي على السلاح النووي حتى شعر الأمريكان بالرعب الذي أشعروا الآخرين به, و بدأت حالة الردع النووي هذة .. فالكل يخشى من التهور النووي لكي لا يحدث له ما لا تحمد عقباه. و في كل مرة تتوصل أي دولة إلي إمتلاك الأسلحة النووية تقوم بتفجير علني في منطقة نائية, ليس لإختبار سلاحها فقط .. بل لكي ترصده الدول الأخرى فتخشى و ترتدع. لكن بدون تفجير و إعلان لا يمكنك التهديد او التلويح أو الردع بقوة, و بدون ان تمتلك الدولة فعلا و حقيقة سلاح نووي فلن تستطيع ان تردع أحدا .. و إلا إستطاعت الصومال ردع العالم باسلحتها النووية الخرافية.
يعني الردع بالخرافة هو خرافة اخرى, لا أحد يرتدع حقيقة بما لم يراه و يلمسه .. لا أحد يرتدع بالخرافة. و من يريد التأكد من حماقة الردع بالخرافة فليجرب هذا الأسلوب على آخرين, أحد الأطفال سيكون أنسب ضحية .. فالكبار لا يرتدعون بأي شئ. كلنا كنا صغارا و كلنا حاول المدرسين و الآباء و الأمهات ردعنا بشتى الطرق من العفرتة و الشقاوة, بعض الأهل و المدرسين جربوا بالتأكيد الطريقة الدينية في الردع بالخرافة :
كن مؤدبا و إلا أرسلتك إلي حجرة الفئران !
كن مؤدبا و إلا أتيت لك بأبو رجل مسلوخة !
كن مؤدبا و إلا لعنتك الملائكة !
من تعرض لمثل هذة المحاولات للردع بالخرافة بالتأكيد سيعرف كم ظل مصدقا للخرافة, خاضعا للأوامر و النواهي إعتمادا على الخوف .. هذا إن صدق أصلا منذ البداية ! يعني الطفل متوسط الذكاء قد يصدق هذة الحكايات لمدة أسبوع مثلا منذ أن يبدأ سماعها من الاهل أو المدرس, و في خلال هذا الأسبوع يسأل آخرين و يفكر و غالبا ما يتوصل سريعا إلي أن هذة الخرافات غير حقيقية. و الآن ما هو رد فعل هذا الطفل حين يعرف أن ما يخشاه خرافة مزيفة بلا وجود ؟!! أبسط ما سيحدث أن الطفل سيتمرد, لن يسمع الكلام. بل و سيفقد الثقة فيك و في كلامك نهائيا, لن يغفر لك خداعه بسهولة .. و أنت الملوم لانك من تحايلت عليه و خدعته بدلا من ان تحاول إقناعه بالعقل و المنطق و التحفيز الواقعي. يعني هذا يختلف تماما عن التهديد بشئ حقيقي ..
ذاكر دروسك و إلا سأضربك !
أترك التليفزيون و إلا سأحرمك من المصروف لمدة أسبوع !
لو سمعتك تسب مرة أخرى لن أشتري لك اللعبة التي تريدها !
الطفل هنا سيرتدع غالبا لأن الردع هنا بأشياء حقيقية ملموسة يعرفها و يخشاها و ليس ردع بخرافة يعلم (أو سيتعلم) انها وهمية مزيفة بلا وجود. الآن يمكننا أن نقارن بين أسلوب الدين في الردع بجهنم او العقوبات الإلهية (حجرة الفئران و أبو رجل مسلوخة) و أسلوب الدولة في الردع بالسجن و الغرامات المالية ! يمكن للمرء أن يكون صادقا مع نفسه اولا و يعترف ما الذي يردعه فعلا, جهنم أم السجن ؟ من الذي يخشى عقابه فعلا, الله أم الدولة ؟
لا شك أنها الدولة من تدافع عن النظام و تفرض القانون بالقوة المادية الحقيقية, بالردع الحقيقي لا الخرافي .. و بقوة الإقتناع و الإيمان أيضا لدى الإنسان الواعي الناضج الذي يعرف قيمة و أهمية الدولة في حفظ أمن و سلامة و تقدم المجتمع كله. و لهذا ففي كل تساؤلات المؤمنين و المتدينين عن الأخلاق و عن الرادع الأخلاقي يتجاهلون تماما وجود الدولة و كأنها طيف لطيف أو نسيم عليل .. و كأننا لازلنا نعيش في العصر الحجري, عصر نشوء الأديان. و كأن الدولة ليست جيش و دبابة و شرطة و مدرعة و بندقية و أجهزة أمنية و قضاء و أحكام جنائية بالسجن و بالإعدام لكل من تسول له نفسه التعدي على المجتمع أو الآخرين. يعني من يؤمن لهذة الدرجة بالردع الديني فلماذا يعيش في دولة ؟! مفهوم طبعا أن الشخص المتدين يكره الدولة و يكره النظام بشكل غريزي لاواعي, هو يريد أن يعيش في مجتمع همجي فوضوي بلا دولة يعتمد على الردع الديني الخرافي فقط .. لكي يستطيع أن يقتل و يسرق و يغتصب بمنتهى الحرية.
إنما الدين لا يمثل أي رادع أصلا, و السجون ملآنة عن آخرها بالمؤمنين و شديدي التدين. كل مؤمن يعرف أن الدين لا يردعه لكنه يتصور أنه الذكي الوحيد الذي يعرف سخافة الدين و ان بقية الناس أغبياء تصدق الدين و ترتدع بسببه .. و لذلك حين نتكلم عن الإلحاد يهددنا انه سيسرق و سيقتل لكي يجعلنا نفكر أن الدين يمثل رادع, لكن هيهات. الدين لا يردعك و لا يردع غيرك فانت لست أذكى من أي واحد .. و لو لم تكن هناك حكومة و شرطة قوية لن يحترم المؤمن حتى حرمة بيته هو نفسه و قد يغتصب أمه و أخته و إبنته الرضيعة. فالدين لا يقيد أي مؤمن أو يلجمه, و كل واحد منهم يظن أن الآخرين مؤمنين و يرتدعون بالدين من أذيته و لذلك يتمسك بالدين تمسكه بتقييد الآخرين و ليس تقييد نفسه .. الأحمق يظن أن الآخرين مقيدين بالدين الذي لا يقيده.
و لذلك فالرد المناسب لمن يتبجح بالردع الأخلاقي الديني ..
نعم, لا يوجد آلهة و لا حساب و لا جنة و لا نار, و نعم, تستطيع أن تعمل ما بدا لك .. هات آخرك بقا وريني هتعمل ايه يعني !! و كأن الإله كان يجثم على صدرك مثلا أو كان يمنعك من أي شئ : كما كنت تعيش و أنت مؤمن, خايف من الناس و مرعوب من الحكومة .. ستظل تحيا و أنت كافر جبان أيضا.
هل يمثل الدين حافزا ؟
و مع ذلك فلنفرض جدلا أن هناك شخص أهبل فعلا أو معوق ذهنيا لدرجة أن يصدق الخرافات و التهديدات الدينية (و هم في جميع الأحوال أقلية), كيف سيكون تأثير الأوهام المخيفة و الخرافات المرعبة عليه ؟ بل حتى ما هو تأثير بطش و تخويف الدولة للناس بشكل دائم حتى يرتدعوا عن فعل الجنح أو الجرائم ؟! بإختصار ما الذي تنتجه التربية بالتخويف سواء كان هذا التخويف حقيقيا فعالا كما في حالة الدولة أو كان التخويف خرافيا فاشلا كما في حالة الدين ؟الإجابة هي : كائن جبان مرتعش .. هذا هو الناتج الطبيعي.
من يقرأ و يتعلم عن التربية العلمية من وجهة نظر علم النفس (أو حتى لديه عينين يمكن أن يرى بهما الواقع من حوله) سيعرف أن التركيز على الردع و التخويف في التربية أكثر من اللازم ينتج أشخاص خوافه جبانة مرتعشة مترددة تخشى فعل أي شئ او الإقدام على شئ خوفا من محاذر و عواقب حقيقية أو وهمية حسب نوع التربية. يعني التربية بالتخويف الخرافي تقتل الوعي و الإدراك و الذكاء, و التربية بالضرب تقتل الشخصية و الإعتداد بالنفس, و حتى التربية بالمنع و الكبت بدون ضرب تقتل الشجاعة و القدرة على الإستقلال و إتخاذ القرار. لذلك فالتربية السلبية أو الردع بالمحاذير و العواقب الحقيقية هو أمر مهم لكي يتعرف الطفل أو المواطن على خطوط حمراء غير مسموح بتجاوزها .. لكن هذا يجب أن يكون محدود و منضبط و في أحوال قليلة بقدر الإمكان.
لأن الردع ضد التحفيز, يعني انت لو نجحت في ردع طفلك بشكل ناجح جدا فستفشل جدا في تحفيزه لفعل أي شئ. و التحفيز معناه الذكاء و الإبداع و الإختراع و جودة الأفعال و فعالية الممارسات, تخسر كل هذا لو كنت جبانا او خائفا لأن تربيتك ركزت على ردعك من فعل ما هو خطأ (بأي مقياس) بدلا من تحفيزك لفعل ما هو صواب (بأي مقياس). فمادام الدين فاشل في الردع فعلا و على أرض الواقع, هل يفلح في تحفيز الناس بالخرافة ؟! تبدو الإجابة صعبة على هذا السؤال, فكلنا يسمع عن المنتحرين في سبيل الله .. و كيف يفجر المتدينين أنفسهم حتى يصيروا شهداء و يذهبوا إلي الجنة حيث الحوريات و الجنس و الملذات : واضح أن التحفيز بالخرافة يعمل معهم بشكل فعال جدا.
و الجدل الصحيح هنا ليس أن التحفيز الديني ينتج منتحرين مفجرين لأنفسهم وسط الناس فيقتلون الرجال و النساء و الأطفال طمعا في جنس حلال و ملذات خارقة في جنة الخلد, فالسؤال ليس عن كفاءة التحفيز الديني بل عن فعاليته و الفارق كبير بين الفعالية و الكفاءة. الفعالية هنا هي ان يفلح الدين في دفع الناس للفعل بوجه عام, بينما الكفاءة هي أن يدفعهم لفعل أشياء جيدة .. لذلك فالسؤال هو عن فعالية التحفيز الديني و ليس عن كفاءته : فواضح جدا أن كفاءة التحفيز الديني بالسالب.
لكن حتى فعالية التحفيز الديني ليس عالية أيضا, برغم كل هذا الهوس الديني و الأعمال الإنتحارية و العنف و الدمار الذي يعتبر الدين مسئول عنه بشكل مباشر, و السبب في ذلك يرجع إلي نسبة المنتحرين إلي العدد الكلي للسكان. يعني إذا كان يدفع الناس إلي ممارسة العنف بل و حتى إلي إنهاء حياتهم لرفع رايته, فلماذا لا يفلح إلا في تحفيز حفنة من المنتحرين فقط .. لماذا لا يعتبر كل الناس إسلاميين و جهاديين ؟ لماذا لا يزال الناس في أغلبهم متمسكين بالحياة و بالسلام بدلا من الآخرة و العنف برغم كل دعاوي الجهاد في سبيل الله ؟!
و السبب هو ان التحفيز الديني يواجه غرائز طبيعية و يعاديها بشكل مباشر : الإنتحار في سبيل الله يواجه غريزة البقاء, العفة عن الجنس تواجه الغريزة الجنسية, .. الخ. و لهذا يفشل الدين في تحفيز الناس برغم انه ناجح في غسيل أدمغتهم و تغييبهم عن الواقع, لكن الإيمان شئ و الفعل شئ آخر. فحتى مغسولي الدماغ هم محكومون بطبيعتهم البشرية الغريزية قبل أي شئ, لكن مع أن نسبة الإسلاميين الجهاديين في أي مجتمع مسلم هي نسبة قليلة للعدد الكلي للسكان مهما كانت كبيرة .. إلا أن صوتهم دائما أعلى و أفعالهم أكثر فجاجهم و قسوة و مظهرهم أكثر لفتا للأنظار : و لهذا السبب يعتقد الواحد منا أنهم اكثرية أو أن الدين ينجح في تحريك معظم الناس كما يحركهم .. لكن هذا ليس صحيحا.
فأولا: الدين غير فعال كحافز
و كما أن الخرافة لا تردع احدا فكذلك لا تحفز إلا قلة قليلة من الأغبياء و المعوقين ذهنيا.
ثانيا : الدين غير كفء كحافز
فأغلب الفعل الديني هو فعل همجي عنيف و منحرف جنسيا و رجعي إجتماعيا, ما عدا قلة قليلة جدا تحاول أن تفكر و تعمل بطريقة علمانية محترمة مستترة بالدين الهمجي المتخلف لإكتساب تشجيع و شرعية إجتماعية. لأن الناس المغيبة بالدين لا تقدر الأشياء المحترمة لأنها محترمة بل تبحث عن أي ربط بينها و بين الدين لكي تقدرها و تثمنها. يعني لو قام شخص بعمل خيري عظيم او إنجاز علمي غير مسبوق و لكنه كان ملحدا أو لم ينافق الدين هو ناجح فسيهمله الناس و يشككوا فيه و في نواياه, لكن لو شخص تافه عمل خير بسيط أو إنجاز صغير لكنه راح ينافق الدين و المتدينين لصار رمزا للخير و السلام و أعلم العلماء. و هو ينقلنا تلقائيا إلي ثالثا ..
هل هو الدين أم المجتمع ؟
لمعرفة و فهم حقيقة القدرة الدينية على الردع أو التحفيز يجب التفريق شيئين مختلفين تماما : الدين النصي و الدين الإجتماعي. فالدين النصي أو الدين كما هو مرسوم و محفوظ في الكتب المقدسة منذ نشأته في الأزمان الغابرة هو شئ, و الدين كما يظنه الناس و يتداولوه و كما يتطور في لاوعي الناس عبر الأجيال منذ نشأته هو شئ مختلف تماما. و لذلك يمكن معرفة القوة الحقيقية للدين كرادع و كحافز حين نرصد سلوكيات معينة تعتمد على حجج دينية من خلال تحديد ما إذا كان الدافع هو الدين النصي أم الدين الإجتماعي .. فإذا كان النص هو المحرك فهي قوة الدين, و إذا كان فهم الناس هو المحرك فهي قوة المجتمع : أما المساحة التي يتفق فيها المجتمع و الدين فيمكننا ان نتجاهلها او نقسمها بالتساوي بين الدين و المجتمع.يعني مثلا ..
زواج بنات الحضانة إتباعا للسنة النبوية ..
ما هي نسبة المؤمنين الذين يؤيدون السماح به إلي المجتمع ؟
رضاع الكبير إتباعا للسنة النبوية ..
ما هي نسبة المؤمنين الذين يؤيدون السماح به إلي المجتمع ؟
حد الردة إتباعا للسنة النبوية ..
ما هي نسبة المؤمنين الذين يؤيدون السماح به إلي المجتمع ؟
الجزية من أهل الزمة إتباعا للقرآن و السنة ..
ما هي نسبة المؤمنين الذين يؤيدون السماح به إلي المجتمع ؟
الرق و العبودية كما في القرآن و السنة ..
ما هي نسبة المؤمنين الذين يؤيدون السماح به إلي المجتمع ؟
و هكذا بحسبة بسيطة يمكن معرفة نسبة المتحركين بالدين (الذين يرتدعون و يتحفزون بالدين) عن طريق حساب متوسط النسب المئوية لأنصار الدين بالنسبة للمجتمع, ففي كل هذا الموضوعات نلاحظ أن أغلبية المجتمع “المتدين بطبعه” ترفض الفكرة نهائيا .. بل و بحجج دينية أيضا. في مصر مثلا يسمون هذا الدين الإجتماعي بالإسلام الوسطي الجميل الكيوت الأليف في مقابل الإسلام الوهابي السلفي الرجعي العنيف (أين الإسلام العلماني الحداثي ؟!!), و في الحقيقة أن هذا الإسلام الوسطي اللطيف ليس إلا الإسلام نفسه بعد ان غادر النص و تطور عبر الأجيال في مصر تحديدا .. بينما الإسلام الوهابي هو الإسلام كما أبلغه و سلمه النبي في خطبة الوداع.
و هكذا فالدين الأصلي النصي لم يلزم أغلب المجتمع, لم يردعهم بناره و لم يحفزهم بجنته .. بينما الدين المعاصر المعدل يحفزهم و يردعهم ليس بسبب الجنة النصية و جهنم النصية : بل بسبب الجنة الإجتماعية و النار الإجتماعية. ما هي الجنة الإجتماعية و النار الإجتماعية ؟!!
هما جنة الإحترام و التقدير الإجتماعي و نار النبذ و الإحتقار الإجتماعي .. هما حوافز و روادع الواقع و ليس حوافز و روادع النص. هذا الشعور بأن المجتمع يحترمك و يراك شخصا رائعا عظيما لأن لديك ذقن طويلة او تضعين نقاب يخفيكي أو تقول قال الله و قال الرسول أو لديك زبيبة صلاة ! في مقابل كراهية و حقد المجتمع عليك و نبذهم و إحتقارهم لك و إشمئزازهم لأنك تتجرأ على الدين أو الإله أو النبي في كلامك أو لا تخفي الحادك او تحررك أو علمانيتك .. او تصالحك مع الحضارة أو العلم الحقيقي أو مع الكفرة و غير الملتزمين دينيا.
هذان هما جنة المجتمع و ناره, جنة الحب و الإحترام و نار الكراهية و الإحتقار .. و هذان هما محرك الدين الإجتماعي أو دين الواقع بمعنى أصح : بعكس الدين الأصلي النصي الذي يردع و يحفز بالجنة النصية و جهنم النصية. فهل الدين يمثل رادع أو حافز حقيقي للناس فعلا ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق