صناعة المبدع


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

القصة تبدأ بولادة طفل جميل أسماه والده اسم عادي ورباه تربية عادية
حتى بلغ ست سنوات فالتحق بمدرسة ابتدائية عادية ثم انتقل لمدرسة إعدادية عادية وبعد ثلاث سنوات تأهل بمجموعه العادي لدخول الثانوية ودرس خلالها دراسة عادية مما أهله لدخول كلية عادية ولأنه لم يحاول يوماً إلا أن يكون عادياً فقد حصل على تقدير عادي جداً وعمل بوظيفة عادية وعندما فكر أن يتزوج اختار بنتاً عادية وعاش معها حياة عادية لا جديد فيها وأنجب أولاداً عاديين ومرت الأيام والأشهر والسنون ومات الرجل العادي
لم يجدد ... لم يفكر ... لم يضف شيئاً للحياة ...
كان شعاره : عادي كجميع الناس

*********
إن حياتنا اليوم تمتلئ بالآلاف من الرجل العادي
غير المتميز في عباداته وأخلاقه ومعاملاته وعلمه وتفكيره
ومن هنا كان واجبنا كآباء ومعلمين وتربويين أن نعمل على تربية جيل جديد يبدع ويفكر ويبتكر
والناس يتفاوتون في مسألة الإبداع وينقسمون إلى ثلاثة أنواع :
النوع الأول هو من ماتت فيه القدرة على
الإبداع
وقتل القدرة على الابتكار يكون عن طريق تربية خاطئة
فقد روى أحدهم وقال : عندما كنت صغيراً كنت أحب أحد المدرسين حباً جماً , مما شجعني على كتابة بعض الاقتراحات التي رأيتها مهمة لتحسين المدرسة وفصولها وترددت كيف أعطيها له وجاءت الفرصة المناسبة فلقد ركب الباص بجواري يوماً فاستأذنته في إعطائه ورقة الاقتراحات وقابلها بترحيب وقرأها بشبه تركيز وعندما هممت بالنزول وجدت ورقة الاقتراحات على الأرض تحت قدمي أستاذي فشعرت بعاصفة من الحزن تجتاح كياني الصغير ونزلت من الباص وقد قُتلت داخلي القدرة على إبداء الرأي وتقديم المقترحات وربما الإبداع لعدة سنوات
أما النوع الثاني هو شخص عنده استعداد للإبداع لكنه لا يبدع في حياته كلها
إلا مرة واحدة أو مرتين وذلك عندما يوضع في موقف معين أو يتعرض لمشكلة من نوع خاص وخير مثال على ذلك ما رواه القرطبي في تفسيره عن معركة القادسية حيث قال : لما واجه المسلمون في موقعة القادسية استخدام الفرس الفيلة للمعركة في اليوم الأول ولم يستطع المسلمون مواجهتها لأن الخيل قد خافت منها فقُتل من المسلمين جمع غفير فقام رجل من المسلمين وصنع فيلاً من طين وأنس به فرسه حتى ألفه فلما أصبح لم ينفر الفرس من الفيل فحمل على الفيل الذي كان يقدمها فقيل له إنه قاتلك فقال لا ضير أن أقتل ويفتح الله على المسلمين وكان هذا الفعل سبباً في انتصار المسلمين في القادسية وهذا الرجل لا نعرف من هو لكنه أبدع مرة واحدة فكانت سبباً في خير عظيم
أما النوع الثالث فهو الذي تمتلئ حياته بالإبداعات والابتكارات فهو شخص متميز مفكر يقدم لمن حوله الكثير من الأفكار والاقتراحات العملية المفيدة والرائعة وخير مثال على هذا المبدع الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي أبدع في المجال العسكري فلم يهزم في معركة قط وبعض خططه العسكرية لبراعتها ما زالت تدرس في بعض الكليات الحربية الأوربية
المبدع لا ينزل من السماء مع المطر لكنه يصنع صناعة ويعد إعداداً
وأولاً علينا اختيار من يمكنه أن يبدع والحقيقة أن كل أبنائنا وبناتنا عندهم استعداد لأن يبدعوا فالمبدع الذي نريد صناعته ليس سوبرمان بل هو إنسان عادي لكنه يفكر ويطور ويجدد حياته وحياة من حوله والدراسات الحديثة أثبتت أن الذكاء العادي يكفي لإنتاج الإبداع
والإبداع هو النظر إلى الشيء المألوف بطريق غير مألوفة
قال أحدهم : طُلب من أحد أطفال الصف الثاني من المرحلة الابتدائية رسم رأس إنسان وانشغل الأطفال برسم المطلوب لفترة زمنية وذهب طفل إلى المعلمة وقال لها لدي مشكلة وبعد أن شرح مشكلته اكتشفت المعلمة أنه يرسم ما بداخل رأس الإنسان فإذا بها تغضب في وجهه وتأمره بأن يكف عن الرسم حتى يرى رسومات زملائه ثم قالت المعلمة بتهكم واستهزاء : انظروا إلى زميلكم النابهة إنه لا يستطيع أن يرسم رأس إنسان ثم طلبت منهم أن يرفعوا رسوماتهم لكي يراها الطفل المغبون ونظر الأطفال إلى زميلهم بسخرية وصياح أما الطفل المهان فلم يكن في مقدوره إلا الجلوس خجلاً وكأنه قد ارتكب إئماً كبيراً لقد جلس و قد تعلم أن الأفكار غير المألوفة ليست مطلوبة وأن الاستكانة للمألوف هو الطريق الآمن وأنه من الخطورة بمكان أن تكشف للآخرين أنك ترى الأمور بمنظور مختلف عن رؤيتهم
وكثيراً ما نقول لأبنائنا أنتم ما زلتم صغاراً وتصنع كلمة أنت صغير جيلاً من كبار الأعمار صغار الهمم ضعاف العزيمة
فالطفل الذي يشعر دائماً أنه صغير يموت في داخله كل استعداد للإبداع والابتكار ولماذا يبتكر وهو يسمع دائماً عبارة اسكت عندما يتحدث الكبار فعلينا أن نحترم عقول أبنائنا ونغرس فيهم دائماً أنهم رجال المستقبل ومبدعو الغد
فلقد كان سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما يجمع أبناءه وأبناء أخيه ويقول لهم : إنكم صغار قوم وتوشكون أن تكونوا كبار قوم آخرين فتعلموا العلم فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه فليكتبه وليجعله في بيته .
فلنسعَ دوماً أن نكون مبدعين ولندعُ الله بذلك
" واجعلني للمتقين إماما "
فقد كان الخليل بن أحمد الفراهيدي في رحلة الحج يدعو الله قائلاً :
" اللهم إني أسألك أن ترزقني علماً لم ترزقه أحداً من قبلي ولا يؤخذ إلا عني
ويقول الفقيه الحنبلي ابن عقيل : لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق