جاء في الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي: قال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي: أتيت محمد بن الحنفية فخرج إليّ في مِلْحَفَة حمراءَ، ولِحيتُه تقطُر من الغَالِية، فقلت: ما هذا؟ قال: (إن هذه المِلحفة ألقتها عليّ امرأتي ودهنْتني بالطِّيب، وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن)، وقال ابن عباس رضي الله عنه: (إني أحِب أن أتزينّ لامرأتي كما أحِب أن تتزينّ المرأة لي).
هكذا كان فهم بعض سلفنا الصالح دلالة قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228].
وهكذا ينبغي أن يكون تعاملنا مع أمتع لحظات التواصل بين الزوجين، حين \"الجماع\"، حين تمتزج المشاعر، وتختلط الأنفاس، وتلتصق الأجساد، وتتحقق أبرز أهداف الزواج؛ وهو إعفاف النفس، وذلك بقضاء حاجة الرجل والمرأة الغريزية بأمان، تحقيقاً للعفة، (فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج). متفق عليه، وكذا حصول السكن النفسي الذي لا غنى لكل إنسان عنه.
ومن هنا ينبغي احتساب الجِماع بين الزوجين بكونه عبادة، يقول صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رواه مسلم.
ولذا فإنه يحتاج إلى مهارة عالية، وتجديدٍ في أدواته وطرائق التعامل معه، بل وتخطيط مسبق للتوثق من تحقيقه لأهدافه.
ولكي تُحقِّق هذه العبادة أهدافها، ينبغي تَفَهُّم الأزواج، وخصوصاً حديثي العهد بالزواج، لفن التعامل مع شريك الحياة حين \"الجماع\"، وذلك بالتهيئة الجسدية والنفسية :
أما التهيئة الجسدية، ففيها خمس إشارات :
1- نظافة منطقة القُبل والدبر بتطبيق سُنة الاستحداد وهو إزالة الشعر القائم هناك، وكذا إزالة شعر الإبط، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار ونتف الإبط). متفق عليه.
وعَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: (وَقَّتَ لَنَا فِي قَصّ الشَّارِب وَتَقْلِيم الْأَظْفَار وَنَتْف الْإِبْط وَحَلْق الْعَانَة أَنْ لَا نَتْرُك أَكْثَر مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَة (وجاء في شرح النووي على مسلم: (معناه لا تترك تركاً نتجاوز به أربعين ليلة لا أنه وقت لهم الترك أربعين) .
2- انتظام الاستحمام بصفة دورية .
3- نظافة الفم واللسان والشفتين؛ بتعاهد فَرْش الأسنان قبل النوم وبعده، وبعد الفراغ من الأكل، والامتناع عن التدخين، وخصوصاً قبيل التواصل، وكذا الامتناع عن أكل الأطعمة ذات الروائح الكريهة .
4- استخدام الروائح الطيبة، وارتداء الملابس المناسبة؛ فالعناية بالتهيئة الجسدية، وخصوصاً قبيل الممارسة؛ من أبرز أسباب التمتُّع بعبق النظافة، وبالتالي حصول تواصل إيجابي ماتع حميم، وخصوصاً أن ذاك مقصود الشارع الحكيم، وسيرة سلفنا الصالح المبارك .
5- تجنٌّب الإجهاد ذلك اليوم، ومحاولة الممارسة قبل موعد النوم بوقت كاف، والتأكد من نشاط وحيوية الزوجين .
وأما التهيئة النفسية، ففيها ست إشارات :
1- إشارة الزوج إلى زوجته برغبته في ممارسة الحُب معها في الفراش قبل الموعد بوقت كافٍ .
2- إمطار الزوجة بهمسات الغزل، ومفردات الشوق والهيام، وأنين الوجد والحنين، قبيل الدخول إلى غرفة النوم
3- خلق الله للمرأة غدداً في جانبي المهبل، تفرز سائلاً مائياً لزجاً، مهمته مساعدة الزوجين حين الجماع؛ لتحقيق حاجتهما بيسر وسهولة وسعادة، وبدون هذا السائل تصبح عملية الجماع، وخصوصاً عند المرأة، في غاية المشقة والألم، بل وقد يتعدى ذلك إلى تقرحات وتشققات في جدار المهبل .
وهذا السائل يَقل في حالات منها: (الأيام التي تسبق العادة الشهرية، وحين تكون المرأة غير مستعدَّة نفسياً لممارسة الجماع، وكذا حين تَعَجُّل الرجل زوجته للجماع دون تهيئة كافية).
ولذا فالمرأة تحتاج إلى تهيئة لعملية الجماع، لمُدَّة تتراوح من : (5 – 15) دقيقة، تَتَّسِم بالمداعبات الأولية، يُراد بها استثارة المناطق الحسَّاسة عند المرأة؛ كالثديين والشفتين والفخذين، وعليه ينبغي أن تُعطى هذه المرحلة حَقَّها قبل البدء في الإيلاج، فالكلمات الرقيقة العاطفية، والقبلات، والعِناق، والمسح على أجزاء الجسم؛ كل ذلك كفيل بتهيئة لِقاء حميمي ممتع بإذن الله.
ومما تنبغي الإشارة إليه أن هذه المرحلة تُغّذِّي المرأة عاطفياً غِذاءً يُحيل أيامها القادمة إلى سعادة وهناء مهما كانت المشكلات التي تعترضها، وبعضهن يستمتع بهذه المرحلة أكثر من استمتاعهن بالإيلاج ذاته، بل وهذه المرحلة سبيل إشباعهن جنسياً، وبدونها لا تتحقق لهن المُتعة الحقيقية من الجِماع .
ومن هنا كان على الرجل تحريك كَفِّه برِقَّة على كتف امرأته، وظهرها، وخصرها، مع تقبيلها في فمها، وخدها، و رقبتها، وخلف أذنيها، وعلى كتفيها، مع الهمس بمفردات الحُب والشوق والهيام .
4- إنْ وجد الزوج أن زوجته بدأت في الاستجابة، فعليه زيادة التقبيل والاحتضان، ثم استثارة منطقة الصدر، وغير ذلك مما أقبل منها وأدبر، الأمر الذي يَصِل بها إلى غاية المُتعة، وتزايد كميات الإفرازات المهبلية، وإن استطاع أن يوصلها للذروة عدة مرات بالمداعبة والتقبيل فذلك أحسن، وأحفظ لها، بل وأعف لبصرها، وأدوم للمودة والألفة والمحبة بينهما، فالقبلة تُثير الشهوة لدى المرأة أكثر من أي شيء آخر، وهي بريد التواصل بين الزوجين، وأكملها ما تُدُرِّجَ فيه من الخفيف إلى العميق، وعنده يكون المص، واللمس، واللحس، لشفاه الزوجة ولسانها مُتْعة تستدعي المرحلة الثانية؛ (الإيلاج).
قال ابن قدامة (المغني: 8/ 136) : (ويستحب أن يلاعب امرأته قبل الجماع لتنهض شهوتها، فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك لكيلا تسبقها بالفراغ - قلت: وذلك إليّ؟ قال: نعم. إنك تقبلها وتغمزها وتلمزها، فإذا رأيت أنه قد جاءها مثل ما جاءك واقعتها) ا.هـ .
وجاء في فيض القدير، عن أبي يعلى قال: (إذا خالط الرجل أهله فلا ينزو نزْوَ الديك، وليثبت على بطنها حتى تصيب منه مثل ما أصاب منها).
5- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنّبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً) متفق عليه.
جاء في شرح النووي على مسلم: (قَالَ الْقَاضِي قِيلَ الْمُرَاد بِأَنَّهُ لَا يَضُرّهُ أَنَّهُ لَا يَصْرَعهُ شَيْطَان وَقِيلَ لَا يَطْعَن فِيهِ الشَّيْطَان عِنْد وِلَادَته بِخِلَافِ غَيْره، قَالَ وَلَمْ يَحْمِلهُ أَحَد عَلَى الْعُمُوم فِي جَمِيع الضَّرَر وَالْوَسْوَسَة وَالْإِغْوَاء)
وقد ذكر بعض أهل العلم أهمية أن يكون الزوج مستلقياً على ظهره، محتضناً زوجته في مقدمة الجماع، حتى تقضي وطرها، فهذه الطريقة تؤخر النشوة عند الرجل، بينما تستدعيها عند المرأة، فإذا قضت المرأة حاجتها، يعكسان الوضع بحيث تصبح الزوجة مستلقية على ظهرها والزوج أعلاها.
6- من المفارقات أن الزوج بعد إتمام عملية الإيلاج، يشعر بالإجهاد والخمول والنعاس الشديد أحياناً، بينما المرأة تكون في قمة نشوتها الجنسية، فهي في حاجة إلى العناق والقبلات لبعض الوقت، وخصوصاً أن الغالبية منهن لا تتمكن من انهاء وطرها إلاّ بعد الرجل ببضع دقائق. وعليه ينبغي للرجل ملاحظة هذا الأمر، والتغلُّب على نفسه، وإعطاء زوجته هذه اللحظات الماتعة، قبل الجماع وبعده؛ لكونه سيجني منها حباً يحيل حياته إلى عالم من الدَّعة والهناء .
وبعد.. إن إدراكنا لأهمية نجاح هذا اللقاء، وأثره في استقرار حياتنا، وطمأنينة نفوسنا، وإشباع حاجاتنا الفطرية، يجعل أمر التخطيط لنجاحه، والعمل على اكتمال أركانه ومستحباته، أمراً بدهياً، بل ونمارسه مستشعرين غاية السعادة والمتعة والهناء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق