معنى الأخلاق

الأديان تقدم الأخلاق و كأنها قرابين إلهية, و بنفس منطق تقديم قرابين لآلهة الأديان القديمة التي لا تأكل أساسا و من يقدم قرابين لا يأكل منها .. كذلك في الأديان لا يمكنك أن تعرف الغرض من وراء أي سلوك تطرحه و تصر على أنه أخلاقي. ما الغرض من الإيمان الأعمى مثلا ؟ ما الغرض من تحريم أكل الخنزير مثلا ؟ ما الغرض من الإمتناع عن الجنس بغير زواج ؟ بل و ما الغرض من اباحة الإتجار في الرق و إستخدام البشر كعبيد ؟ و ما الغرض من تمكين الرجل من المرأة ؟ و ما الغرض من السماح بالزواج من الأطفال ؟ بالتأكيد هناك الكثير من الدعاة و الوعاظ و رجال الدين يحاولون أن يفسروا حكمة الله المخفية في أوامر و وصايا بلا معنى, و ذلك لان الإله لا يرسل تعليماته الأخلاقية مرفقة بشروحات أو أسباب أو الدوافع من وراءها.
فحين يكون الإيمان الأعمى و الطقوس الغبية هي أهم السلوكيات الاخلاقية, و حين يكون التخويف و التهديد و الوعيد مع الترغيب و التطمين و الإغراء هم الوسيلة الوحيدة لحمل الناس على الممارسات الدينية “الأخلاقية” بالإضافة طبعا لتسليط الناس على بعضهم البعض و تسخيرهم لمراقبة بعضهم البعض و التجسس على بعضهم البعض بل و حتى تسليط الناس على أنفسهم و جعلهم عملاء للإله الفضائي و اعداء لمصالحهم الشخصية .. لن يفهم أي واحد طبعا الغرض أو المعنى او الهدف من الاخلاق بل سيندر جدا أن نجد من لم يكره فكرة الإلتزام الاخلاقي من أساسها. و لذلك فالأديان بالفعل و دون أي تحامل أو مبالغة هي كيانات غير أخلاقية و تعمل ضد الأخلاق بتشتيت الفكرة و تسفيهها بل و الترويج لمبادئ هي ضد الأخلاق بالكامل و معادية لها على طول الخط, و لتجدن أشد الناس تحضرا و اخلاقا (لأن التحضر و الأخلاق هما شيء واحد) هم الشعوب العلمانية ذات الأنظمة العلمانية و لتجدن أشد الناس همجية و انحطاطا هم أكثر أهل الأرض تدينا.

ما الأخلاق إذن ؟

الأخلاق هي تقنيات للتحكم في السلوك عن طريق السيطرة على الدوافع السلوكية (الغرائز و العواطف و النفسية) لتحقيق الأهداف النهائية للأخلاق ألا و هي معرفة الحقيقة الموضوعية و نشر الخير الكلي و تحقيق السعادة الفردية. لذلك فالاخلاق هي إتباع وسائل عقلانية لمعرفة الواقع كما هو و من ثم تغيير الواقع للجميع و بالتالي تحقيق استفادة شخصية لي أنا. الأخلاق ليست مزاجية شخصانية بل هي موضوعية عالمية, هي ليست ضد سعادتي الشخصية أو على الأقل ليست ضدها على طول الخط أو على المدى الطويل .. بل هي أساسا فكرة تدعم سعادتي و سعادة كل واحد عن طريق التنظيم بيننا و تكامل الأدوار, هي ليست إلهية دينية مقدسة بل هي عقلانية حقيقية متغير.
هل تستطيع التحكم و الترشيد لرغباتك و شهواتك ؟
هل تستطيع التحكم و الترشيد لرغباتك و شهواتك ؟
الأخلاق ليست رقما محددا بل هي معادلة حسابية تحتاج أن تعوض فيها بالموقف بكل ظروفه و تحسب حسبتك فتخرج لك الإجابة في النهاية, و بالتالي فالتمسك برقم محدد هو غباء و انعزال عن الواقع, فلا يمكن بأي حال أن يكون رقم 5 مثلا هو الحل الصحيح لكافة المسائل الحسابية بل إن لكل مشكلة أو معضلة أخلاقية لها حل خاص بها و إن كان يجب أن يكون متسقا مع غيره للحلول في وعي و فهم عميق للصورة الكلية للواقع و كافة المشاكل, و لذلك فالمعرفة الحقيقية للواقع هي أساس أي تغيير للواقع على المستوى الفردي و الجماعي, و بالتالي فلا يمكن للجاهل بالواقع أن يكون أخلاقيا أو أن يكون قراره أخلاقيا لأن المعرفة هي أهم فضيلة و الجهل هو أفظع خطيئة.
وفق هذة الفلسفة لا يمكن لأي نظام أو دولة أو مجتمع أو أفراد لديهم دوافع أخلاقية فعلا أن يسعوا للبطش بالآخرين لتحقيق منافع كلية أو الإنتقام ممن يخرقون القوانين لأن المرء يحتاج لأن يختار الإخلاق طوعا بوعي و إرادة للتغيير نحو الأفضل, يختار أن يكون أخلاقيا و بالتالي حتى لو تم حمله أو إجباره على تحقيق منافع كلية أو تخويفه من الإهمال أو التهاون فذلك قد يكون له فوائد قصيرة المدى للغاية لكن الوضع سينفجر عند حد معين أو ستظهر مساؤه قريبا.
ثم انه يجب على المرء أن يفهم ان البديل الوحيد للأخلاق هو الفوضى و ليس الشر فقط, نحن نحارب العشوائية الكونية حيث يكون الجميع يسيرون في العالم عميان و جهلة وفق ما تقودهم إليه الطبيعة الفوضوية العشوائية من تطور و خير أحيانا و من انحطاط و شر أحيانا أخرى, فالطموح أو الأمل من وراء الأخلاق هو تحقيق فقاعة عقلانية إنسانية سعيدة في كون شاسع و موحش تتنازعه قوى العشوائية و قوى النظام. لذلك فالسعي الأخلاقي هو سعي مخلص للحقيقة و الخير و السعادة عن طريق التوعية و التعليم للجميع و تحقيق الوفرة و الإشباع الرشيد للجميع ثم تبني الدولة للدور الذي تركه الإله في رعايته للناس و إهتمامها بهم و مساعدتهم لتحقيق سعادتهم الشخصية بحرية في إطار الفهم السليم للواقع و في حدود المصلحة العامة.
و بالتالي تقود الدولة التطور الأخلاقي للفرد و المجتمع ليس من خلال البطش و القهر و الإنتقام بل من خلال القضاء على اي عوائق أو موانع أو صعوبات تواجه الفرد الصالح في الالتزام بالسلوك الاخلاقي و بالتالي تشتيت و تسفيه السلوك الغير أخلاقي عمليا و ليس بالكلام بأن لا تجعل الناس محتاجين للشر أو الخرافة بل يتم تشجيعهم على إخراج أفضل ما فيهم و دعم الخير و العقلانية بداخلهم بحيث أنه لو كان هناك عضو مادي حقيقي إسمه الضمير في جسم الإنسان أن نساعد هذا الضمير على أن يعظم و يكتسب قوة, بينما لو كان هناك عضو إسمه ضد-الضمير أن نقلل من إستخدامه عند الناس حتى يضمر و يذبل و يستغنى عنه جسم الإنسان مثلما حدث مع الذيل في تاريخنا التطوري.
يعني تحقق كل الظروف المواتية و الراعية للاخلاق ثم تقلل من أضرار السلوك الغير أخلاقي للحد الأدنى لكي لا يكون الإنسان مضطر أن يكون أخلاقيا بل يختار الإلتزام الأخلاقي عن حب و إقتناع و ليس عن خوف أو إجبار. ثم تترك الناس تختار سلوكها بحرية دون ارهاب و انتقام أو بدون اغراء و مكافأة أيضا أو اشاعة الكراهية و الحقد و الإحتقار ضد الغير أخلاقيين من خلال إعلام او دعاية, فالأخلاق يجب ان تكون سلوكا عقلانيا إراديا غير مدفوع بضغوط أو موانع مادية أو معنوية لأن الفكرة من الأخلاق أنها سلوك واعي رشيد نابع من العقلانية أما الضغوط المادية و المعنوية فهي تستثير الحيوان الأحمق الكامن بداخل الكائن البشري بحيث يكون سلوكه غرائزيا عاطفيا موجها و هذا غير أخلاقي و خطر جدا و لا يمكن السيطرة عليه و يغري بل يدفع لإساءة الإستخدام .. لأن من يستطيع أن يتحكم في الناس بأسلوب غير أخلاقي مثل التجويع و الدعاية لن يوجههم و لن يستطيع أن يوجههم لسلوك أخلاقي.
أن تخاطب و تدعم العقلانية في الإنسان فستجد العقلانية تتعاظم و الحيوانية تضمر, خاطب و دعم الحيوانية في الإنسان فستجد الحيوانية تتعاظم و العقلانية تضمر .. لأنك لن تستطيع أبدا أن تخاطب و تدعم الحيوانية في الإنسان و تجد العقلانية تتعاظم أبدا أبدا, هذا ضد المنطق و ضد الواقع. و الأخلاق أصلا سلوك عقلاني إرادي و أي استثارة للحيوان في الإنسان عن طريق مخاطبة الغرائز البهيمية مثل التخويف و التجويع أو مخاطبة العواطف النفسية مثل الايحاء بالحب و الكراهية, هو سياسة غير أخلاقية و ضد الأخلاق على طول الخط و لا يمكن أن نجني أي خير من وراءها.

الجوع و الامانة .. الجنس و العنف

في أي بلد متخلفة مثلا تعاني من تدني الظروف الإنسانية, و بسبب تراكم الحماقة و الغباء في ادارة الدولة : ينتشر الفقر بين الناس و تتفشى البطالة بمستويات رهيبة و تواجه الفشل الإقتصادي و تضخم الأسعار, و هو ما يمارس ضغطا مستمرا على غرائز و تمنيات و طموحات الناس بعرض الإمكانيات المادية في السكن المرفه و الملابس الغالية و الطعام الشهي و الجنس الممتع و الحياة السعيدة من خلال التفاوت الإجتماعي المتطرف و الدعاية الإعلانية الإستهلاكية, و يزيد الفقراء فقرا و يزيد الأغنياء غنى .. في النهاية ماذا تنتظر ؟ أبسط ما يمكن هو تفشي الرشوة و الإختلاس و الفساد و السرقة و السطو المسلح, و أخطر ما ينتظره المجتمع كله و يراه في الأفق آتيا بلا ريب هو ثورة للجياع و الفقراء تأتي من المناطق العشوائية تحطم و تدمر و تخرب كل ما تمتع به و احتكره الأغنياء و حرمونا كفقراء منه سنين طويلة متلذذين بإغاظتنا و التباهي علينا بأكثر مما تلذذوا بأشياءهم الثمينة نفسها.
ثم إنك تجد بجانب تفشي الفقر زواج تفاخري متباهي غالي التكاليف فيعجز الناس عن الزواج, ثم تمنع الجنسين من ممارسة الجنس بلا زواج و تمنع البغاء بالقانون و تمنع الإختلاط بين الجنسين أو تنشر فكرة أن الإختلاط حرام و نجاسة ثم تحاصر النساء بالأحجبة و الأقنعة و الأقمشة و تمنع ظهورها بحيث تكرس لفصل تام بين النوعين متجاهلا الغريزة الجنسية و الميول العاطفية للبشر فتعظهم عن العفة و الحجاب و غض البصر .. في النهاية ماذا تنتظر ؟ أبسط ما يمكن هو تفشي التحرش و المضايقات الجنسية في الشوارع و انتشار الزواج العرفي الغير قانوني بل و انتشار الشذوذ الجنسي و الجنس بين المحارم و مع الأطفال و الاغتصاب, الخطوة القادمة هي أن تجد الإغتصاب في الشوارع و في المواصلات و على الملأ يتزايد و الناس لن تفعل شيئا مع إزدياد في كل انواع الإنحرافات الجنسية التي يمكن تخيلها و التي لا يمكن تخيلها, بحيث لن تنجو إمرأة أو ينجو طفل أو حتى رجل من الاعتداء الجنسي.
Civlizedأي حماقة هذة ؟ و أي انحطاط و أي غباء ؟!
لا أحد يمكنه مناطحة الطبيعة الغاشمة أو معاندتها أبدا و لا أحد يمكنه منع الطبيعة من صيرورتها و المضي في طريقها مهما حاول, يمكننا فقط التحايل عليها من خلال فهم قوانينها و اللعب على ثغراتها بنفس الطريقة التي يستخدمها المحامين للحصول على براءة لموكليهم. ثم إن علينا ان نعرف ما الذي نريده تحديدا .. ما الذي نريد الحصول عليه : فإذا أردنا نشر اللا أخلاق الإسلامية (أو اللا أخلاق الدينية) بوجه عام فهو لن يحدث أبدا لأن اللا أخلاق الإسلامية ليست نسقا محددا متسقا من السلوك بل هي من كل فيلم أغنية و بها الكثير من التناقض و التعارض و بها من عوامل التحلل و التداعي الذاتي ما يجعل أي مجتمع كلما إزداد إسلاما إزداد تفككا و انحطاطا و هو ما يفسر السبب في أنه كلما ازدادت نسبة الحجاب في أي بلد كلما ازدادت نسبة التحرش و كلما إزداد النقاب في أي مجتمع كلما إزداد الإغتصاب و الشذوذ.
أي مجتمع يفصل بين الجنسين و يتجاهل الاحتياج البشري للإشباع الجنسي لن يحصل على ملائكة أطهار نورانية بدلا من البشر الخطاة الفاسدين بل سيحصل على كافة الإنحرافات الجنسية و النفسية و الفوضى السلوكية, قد ينكرها رعاة هذا النوع من التجمع البشري لمدة طويلة و لكن تراكم و تفشي هذة الإنحرافات سيفرض نفسه على الجميع في النهاية و بصورة فجة و تخريبية و شاملة. زيادة الضغط تولد الإنفجار بالتأكيد لأن المادة/الطاقة لا يفنيا و لا يستحدثا من عدم بل إن طاقة رد الفعل تتراكم و تتعاظم حتى يحدث ما لا يحمد عقباه.
من السهل ان تنكر وجود إنحرافات جنسية متفشية بين الرهبان أو الراهبات لو كنت مسيحيا متصورا أن الرهبنة تختار الأطهار المقدسين لتزيدهم طهرا و قداسة, و من السهل ان تنكر الفضائح الجنسية للكهنة الكاثوليك و غير الكاثوليك و إنتهاكهم لطفولة الأطفال. و من السهل أن تنكر وجود انحرافات جنسية متفشية بين مواطني السعودية لو كنت مسلما متصورا أن السعودية موطن النبي و بلد الشريعة الإسلامية و الكعبة و المدينة لن تسع إلا الأطهار الأتقياء و لن تزيدهم إلا طهرا و تقوى. من السهل أن تنكر شهادات الشهود و الحياة المعاشة و الإحصائيات و الفضائح عن وجود تحرش و اغتصاب للنساء و تحرش و اغتصاب للأطفال و شذوذ جنسي بالإضافة للجنس بلا زواج طبعا على نطاق واسع و متزايد بين الرهبان و الراهبات و السعوديين و السعوديات. انها الفطرة أيها الأحمق, الفطرة الطبيعية و الغرائز الحيوانية التي لن تستطيع كبتها أبدا لمدة طويلة.
و الفكرة من الأخلاق ليس أن تكبت رغباتك او تمنع شهواتك أصلا, ما الفكرة في أن تمتنع عن الجنس الحرام ثم تظل طوال يومك و طوال نومك تفكر في الجنس و تتمنى الجنس و تصارع خيالات جنسية مريضة تتزايد انحرافا كلما قمت بكبتها و تجاهلها و الهروب من مواجهتها ؟ لماذا تجد الوهابي أو السلفي او المتدين لا يتكلم إلا عن الجنس و المرأة فتراه قايم نايم و موضوعه هو الجنس و الممارسات الأكثر انحرافا في الجنس على وجه الخصوص ؟ ما الفكرة في ان تكون أكثر البلاد تدينا و تمسكا لالأوامر الدينية هي أكثر بلاد العالم دخولا على المواقع الجنسية و المواقع الجنسية الأكثر إنحرافا أيضا .. ناهيك عن التحرش و إستخدام المراة كسلعة إستهلاكية و كل الإنحرافات الجنسية عمليا !! يا أحمق اذهب و أحصل على بعض الجنس الحرام ليتحرر فكرك و وعيك و روحك و سلوكك من هذا الهوس و هذة الهلاوس و بالتالي تستطيع أن تفكر و تسلك بغير هذة العبودية للجنس و هذة الشهوة المريضة المنحرفة.
إن الفكرة من الأخلاق ليس أن تكبت رغباتك او تمنع شهواتك علنا لكي تبدو كائن ملائكي لاجنسي لا يشعر و لا يشتهي, بينما في حقيقتك و في الحجرات المغلقة لست سوى كلب زرايبي ماجن يحيا من أجل جنس الدنيا و يموت من أجل جنس الآخرة !! الفكرة من الأخلاق هي تحكم العقل في الجسد و النفسية من أجل تحقيق منافع عقلانية لصالح الإنسان كله بعقله و نفسيته و جسده.

الجنس مثلا

الشهوة الجنسية عموما هي مجرد إفرازات عادية من الجسم مثل المخاط أو الدموع. المشكلة الوحيدة في الجنس ليس انه شيء خاطئ أو نجاسة أو ما الي آخر هذة الهرتلات الدينية .. المشكلة إن الجنس يفرز مخدرات معينة في الجسم و هذة المخدرات قد تجعل الإنسان مدمنا. و هذا يقودنا الي العيب الجوهري في المخدرات عموما : و هو ليس اللذة طبعا فهي أفضل ما فيها .. لكن الجنس كمخدر مجاني (أو يفترض أنه مجاني) من السهل جدا ان يجعل الإنسان مدمنا. طبعا لا أحد يستطيع أن يعيش دون المخدرات الطبيعية التي يفرزها جسم الإنسان .. لكن قوة العقل تتزايد كلما إستطاع التحكم في الجسم بأكثر مما تتحكم فيه المخدرات. فلا يمكن الإستغناء الكامل عنها بطبيعة الحال و لا يمكن الإمتناع عنها كليا لأنها حاجة طبيعية لا يمكن إفناءها او إستحداثها من عدم .. ستظل موجودة في كل الظروف و قبول وجودها و التكيف معها عقلانية.
لكن أفضل ما يمكن هو أن يسيطر العقل على الجسد الذي يعتليه بقدر الإمكان .. فعلاقة العقل بالغريزة عموما هي أشبه ما تكون بعلاقة الفارس بحصان بري .. لو أطعمه بشكل زائد سيسمن و يتراخى و لو أطعمه بشكل ناقص سيجوع و يمرض أو يتمرد عليه في النهاية. لذلك فالإعتدال و إشباع الغريزة في الأوقات التي يحددها العقل لا الأوقات التي تحددها الغريزة هي أفضل الأساليب المعروفة لترويض و تدريب الحيوانات .. البشرية منها و غير البشرية.
لهذا من الأول للمرء أن يحاول إشباع غريزته (جوع / شهوة جنسية / إمتلاك شيء) قبل ان يطالب بها جسمه و في الوقت الذي يقرره العقل (وقت محدد تختاره مسبقا) و ليس الذي تقرره الغريزة. فالغريزة يجب ان تعرف جيدا من هو السيد هنا .. و إذا كان إشباع الجوع بوجه عام حتمي و لا مفر منه فلا يجب ان ننتظر حتى نجوع بل نسبق الغريزة بإشباعها بشكل معتدل قبل ان تطلب الإشباع. مهم جدا ألا يعتاد الجسم على طاعة العقل له, و أن يتم الإشباع بناء على قرار عقلاني و ليس تحت ضغط و إلحاح الغريزة. و حتى في تربية الأطفال يفضل ألا تتم الإستجابة لهم تحت ضغط البكاء أو الصراخ فهذا يفسدهم و يجعلهم منفلتين و مدللين .. بل الأفضل أن تتم الإستجابة بشكل منظم روتيني بغض النظر عن الصراخ أو الإلحاح.
و أفضل تشبيه يمكن فهم الغريزة الجنسية (أو الغريزة عموما) به هو النهر :
فمياة النهر المندفعة لا يمكن تجاهلها او التعامي عنها و لا يمكن منعها أو كبتها .. فمهما بنيت من أسوار أمام النهر فستتراكم المياة حتى تعلو السور و تحطمه إن آجلا أو عاجلا. لكن لو أمكنك بناء سد به فتحات يمكن فتحها و إغلاقها و متصل بتوربينات .. فستتحكم في المياة و تستفيد منها في أوقات الجفاف و الفيضان بدلا من ان تغرقك في الفيضان أو تبخل عليك في الجفاف. و من فائض المياة سيكون لديك إمكانية لتوليد الكهرباء أيضا. الفارق فقط بالنسبة للإشباع الجنسي أنه غالبا لعبة تشاركية بين إثنين (هذا موضوع آخر) و ليست حتى لعبة تنافسية, و ذلك يتطلب تحكم عقلين في الغريزة و التنسيق بين عقلين و جسدين لتحقيق متعة منضبطة .. و هذة المتعة المنضبطة لن تقلل من اللذة بل على العكس ستنتج لذة مركزة و قوية بأكثر مما لو كانت متعة حرة : فالإنضباط هنا هو ضفتي النهر و و بدون ضفاف سيضيع أي نهر في العشوائية, و التحكم الذكي في أي فعل أو سلوك يضبطه فيرشد مساوؤه و يدعم منافعه.
Lovers
أما الدين فيمارس طريقة غريبة جدا في إدارة الغريزة, يمنعها أو يتحكم فيها بشكل يراكمها و يؤججها .. على طريقة إن الممنوع مرغوب. و لهذا تجد المؤمنين الذين يحرمون اغلب الإستجابات الجنسية, يفكرون و يسعون للجنس ليل نهار .. بينما أي مجتمع متحرر جنسيا لا يفكر في الجنس او يتحكم الجنس في ناسه كما يفعل في مجتمعات الكبت. لدرجة ان الواحد ممكن يفكر إن هذا المنع مقصود لتحويل الناس إلي حيونات جعانة مسعورة جنسيا .. كما تفعل مع الكلاب التي تجوعها حتى تتوحش و تطلقها على كلاب أخرى في صراع حتى الموت. أساليب الدين في التعامل مع الغريزة فاشلة فاشلة بكل المقاييس .. لا تحقق أي شيء.

هناك تعليق واحد: