الكذب









الكذب في حقيقته إيجاد صفة من قول أو فعل لا وجود لهما في حال أبداً إنما هو محض اختلاق قال سبحانه "وتخلقون إفكاً" والكذب صفة مذمومة، وكانت العرب وهم أهل جهل بحقيقة التوحيد يذمونه وينبذونه، ويرونه مع العجلة من أسوأ الصفات، ويقدمونه في الذم والقبح على العجلة، ولا يكاد من يكذب يسود فإن ساد وسقط أبان الناس عورته وحالاته وأموره لأن من يكذب وسط عزته وسيادته يعيش في دائرة مغلقة فيظن الناس لا تدري وهم عيون الأخبار،والكذب أصله حرارة لئيمة سيئة تقذف بالحمم السوداء مخرجها ضيق الخلق ورداءة الأصل وقبح الطوية، ولا يكذب في أصل الحقائق إلا المجنون لكنه لا يقصد الكذب.



الكذب في حقيقته إيجاد صفة من قول أو فعل لا وجود لهما في حال أبداً إنما هو محض اختلاق قال سبحانه "وتخلقون إفكاً" والكذب صفة مذمومة، وكانت العرب وهم أهل جهل بحقيقة التوحيد يذمونه وينبذونه، ويرونه مع العجلة من أسوأ الصفات، ويقدمونه في الذم والقبح على العجلة، ولا يكاد من يكذب يسود فإن ساد وسقط أبان الناس عورته وحالاته وأموره لأن من يكذب وسط عزته وسيادته يعيش في دائرة مغلقة فيظن الناس لا تدري وهم عيون الأخبار،والكذب أصله حرارة لئيمة سيئة تقذف بالحمم السوداء مخرجها ضيق الخلق ورداءة الأصل وقبح الطوية، ولا يكذب في أصل الحقائق إلا المجنون لكنه لا يقصد الكذب.

والكذب أنواع:

كذب طبعي

وكذب مرضي

وكذب تهربي

وكذب ظني

وكذب للإصلاح بين متخاصمين

وكذب وشائي

وكذب طفولي

وكذب هزلي

وكذب لإنقاذ مظلوم

وكذب مصلحي

وكذب تجبري

وكذب حيفي

وكذب طردي

وقد استخلصت هذا من خلال نظري وسماعي للخصومات، وما يعرض عليّ من رسائل وكتابات، وهناك غيرها تركتها لعدم الداعي إليها.

أما الكذب الطبعي: فهو كذب يصدر من عاقل على غير طبيعته، وهو قليل لكنه إذ يحصل مع قلته يحصل بسبب إخراج النفس من موقف ما، لكنه كذب مذموم، وليس أفضل من الصدق إنك لا تأتي أصلاً ما يوجب الكذب ومثله التهربي ويعتبر ذنباً عظيماً إذا أكثر صاحبه من أكثر من ثلاث مرات في حياته.

ويتعلق الحكم بالكذب من حيث النية والضرر ولو على النفس، نفس من يكذب لأن المرء لا يؤتمن على نفسه.

أما الكذب الحسدي: فحدّث ولا حرج لكنه مع الكذب الوشائي يعرف إذا صدر من قريب أو صديق أو زميل، ولا يكاد يعرف هذا النوع إلا أناس دون آخرين لأن هناك من الكذابين من يجلبون الأدلة حساً ومعنى ويتفننون في الطرح ولهم قدرة عجيبة على الإقناع، وقد يستغلون غيرهم من البسطاء والمصلحين.

يقول الملك فيصل رحمه الله: الواسطة والكذب علة ومرض وقد صدق.

ويقول الأمير سلمان بن عبدالعزيز: ما كل ما يقال لنا نأخذ به وقد برهن هذا الرجل على حقيقة من حقائق العدل برد اعتبار جيد للمظلوم لم يسبق إليه أنبت عنه كلمته هذه.

أما الكذب الظني: فهو من باب عدم القصد لكنه يجب أن يضبط وإلا أدى إلى المهالك ولا يقع هذا إلا ممن كان ذا عجلة وكبير شك.

أما الكذب للإصلاح بين متخاصمين: فهو صالح لأن ما يترتب عليه من المصلحة كبير جداً، فإن الصلح والإصلاح أمرهما غاية في الخير وقوة أواصر المتقاطعين خاصة إذا كانوا أقرباء أو جيران أو زملاء أو علماء أو دعاة (1).

أما الكذب الطفولي: فيجب أن ينتبه إليه لأنه كذب بسبب حالة ما يعيشها كخوف أو قلق أو ضعف أو إقتداء، ويحسن أن يعالج مبكراً بعد معرفة سببه.

أما الكذب الهزلي: فهو كثير جداً وهو ما يحدث في التمثيليات وبين بعض الشباب حال النكت والجلسات الخاصة وهذا مهما كان كذب، وأرى عدم جوازه فإن ترتب عليه ظلم، أو تقوّل، أو نسبه لصحابي ما لم يقله، أو تابعي فهذا محرم جداً ويجب أن نحذر من ذلك غاية الحذر.

أما الكذب لإنقاذ مظلوم ظهرت مظلمته: ولا يستطيع الكذب عن نفسه أو جهل أو خوف أو عدم قدرة فلا ضير في هذا ولا يجوز هنا اطراده.

أما الكذب المصلحي: لغير ضرورة شرعية ناهضة فلا يجوز، ولا يحسن الخلط بينه وبين غيره.

أما الكذب التجبري والحيفي والطردي: فباب هذا واسع جداً يدرك من خلال نظر أحوال الناس وما يقع بين بعضهم من خصومات، ولا يقدر على فك الكذب إلا من ألهم وسدد ووفق فإن للكذب صوراً وصوراً ومنافذ عجيبة.

وطرحت هذا من باب الإشارة وإلا فكل نوع يحتاج إلى طرح مستقل لخطورة الكذب لكن من لم يعتبر بالموت ولم يتنبه له لم يدرك سطوة دعوة المظلوم فليس بمتعظ إلا تنزل لكن أنى له التناوش، وقد حيل بينه وبين ما يشتهي.

وأما الكذب المرضي: فله باب خاص، وما أحب بيانه وهو مستقل لضرره وقبحه فهو ما يقع من بعض رواة الآثار وقد نبه الإمام ابن الجوزي إلى هذا في كتابه: الموضوعات (2) فقال رحمه الله: واعلم أن الرواة الذين وقع في حديثهم الموضوع (3) والكذب والمقلوب (4) انقسموا إلى خمسة أقسام:

القسم الأول: قوم غلب عليهم الزهد والتقشف فتغفلوا عن الحفظ والتمييز، ومنهم من ضاعت كتبه أو احترقت أو دفنها ثمّ حدث من حفظه فغلط فهؤلاء تارة يرفعون المرسل (5) وتارة يسندون الموقوف (6) وتارة يقلبون الإسناد وتارة يدخلون حديثاً في حديث.

والقسم الثاني: قوم لم يعانوا على النقل فكثر خطؤهم وفحش على نحو ما جرى للقسم الأول.

والقسم الثالث: قوم ثقاة لكنهم اختلطت عقولهم في آخر أعمارهم فخلطوا في الرواية.

والقسم الرابع: قوم غلب عليهم السلامة والغفلة ثم انقسم هؤلاء فمنهم من كان يلقنه فيتلقن، ويقال له: قل فيقول...إلخ.

والقسم الخامس: قوم تعمدوا الكذب ثمّ انقسم هؤلاء إلى ثلاثة أقسام:

1- قوم رووا الخطأ من غير أن يعلموا أنه خطأ، فلما عرفوا وحه الصواب وأيقنوا به أصروا على الخطأ أنفة من أن ينسبوا إلى غلط.

2- قوم رووا عن كذابين وضعفاء وهم يعلمون ودلسوا (7) أسمائهم فالكذب من أولئك المجروحين والخطأ القبيح من هؤلاء المدلسين، وهم في مرتبة الكذابين لما قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من روى عني حديثاً يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين. ومن هذا القسم قوم رووا عن أقوام ما رأوهم مثل إبراهيم بن هدبة عن أنس، وكان بواسطة شيخ يحدث عن أنس ويحدث عن شريك فقيل له حين حدث عن أنس لعلك سمعته من شريك؟ فقال لهم: أقول لكم الصدق سمعت هذا من انس ...إلخ.

3- قوم تعمدوا الكذب الصريح لا لأنهم أخطأوا ولا لأنهم رووا عن كذاب فهؤلاء تارة يكذبون في الأسانيد فيروون عمن لم يسمعوا منه وتارة يسرقون الأحاديث التي يرويها غيرهم وتارة يضعون أحاديث. وهؤلاء الوضاعون انقسموا إلى سبعة أقسام (8) وقد برهن ابن الجوزي مع قليل من الأمثلة على حقيقة الكذب في الآثار من الحديث والخبر والرواية والقصة، وعموم النقل خاصة في كتب الأدب والتاريخ والنقد وفلسفة الأدب والتاريخ والتحليل في كل من هذا وذاك.

وإنك لواجد كتاب الأغاني والعقد الفريد ومروج الذهب مليئة بالأحاديث المكذوبة وإنك لواجد من يعول عليها ويجعلها أصلاً في نقل الآثار والأخبار والروايات والقصص ويبني عليها أحكاماً شرعية أو أدبية أو وثائقية ثم هو يبرهن أن هذا قد نقله صاحب الأغاني مثلاً ومثل هذا قد شارك في نشر جريمة الكذب والإفتراء علم أو لم يعلم.

ولا مندوحة من القول إلا بعدم عذر من يقوم بهذا لأنه لا يدري، لا مندوحة من لومه وذمه وطمه وقمه ورمه ولا مندوحة من هذا وهو لا جرم يدرك خطورة الحديث وما جرى بين الصحابة وما جرى بين التابعين أنه يجب التثبيت منه بحق ظاهر بيّن، لكن من أصول كتب الثقاة التي تخصصت سنداً ومتناً بإيراد ما عجز عنه صاحب مروج الذهب ثمّ عجز عنه صاحب علي وبنوه والفتنة الكبرى، وعلى هامش السيرة وما عجز عنه أصلاً صاحب كتاب الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز وصاحب كتاب حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وصاحب كتاب أهل الكهف.

وأمثالهم في هذا الحين العجيب، وأن تعجب فعجب من حال قسطنطين زريق وجرجي زيدان ولويس عوض ونجيب محفوظ وأحمد حجازي وميخائيل نعيمة وقائم مثلها لعل الله يهيئ لها حراً كريماً فيخرج لنا معجماً بأسماء أمثال هؤلاء مع شيء من كتبهم وما دنوه فيها من كلام سيء مشين خلدهم في صفوف أهل الوضع في هذا وكل حين.

وقد قدر الله تعالى ويقدر من يصد عن دينه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بنواهض من شاهد وشواهد وبنص عال مبين، يصد كل زيف وتحريف ويصد الكذب والتلبيس.

ثم هو ينافح عن سادة هذه الأمة بلسان عربي مبين ليبقى خالداً مداده وحي طرسه ويعبق ذكره بالثناء عليه أبد الآبدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق