أضواء من هدي القرآن الكريم (4)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
وبعد : يقول الله تبارك وتعالى :
(وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان :12- 13 ).
يخبرنا الله تعالى أنه أعطى عبدا من عباده الصالحين – وهو لقمان – الحكمة وهي الفقه في الدين وسلامة العقل والإصابة في القول والعمل , وإن من مقتضيات هذه الحكمة شكر الله تعالى على نعمه , فإن من يشكر الله جل وعلا فإنما يعود نفع شكره على نفسه , وذلك بالبركة في وقته وعلمه وعمله وماله , ومن جحد نعمة ربه عليه فإنه هو الخاسر لأن الله عز وجل غني عن شكره غير محتاج إليه , محمود من خلقه الذين يعرفون عظمته وجلاله .
واذكر – أيها الرسول – نصيحة لقمان لابنه حين قال له وهو يعظه : يابني لاتشرك بالله , فبدأ بنهيه عن الشرك لأنه أعظم الذنوب , ووصَفَ الشرك بأنه ظلم عظيم , لأن حقيقة الظلم هو صرف الحق عن أهله , والحق في العبادة لله تعالى وحده , لأنه هو الخالق وحده, فصرْف العبادة عنه إلى غيره وضعٌ للحق في غير موضعه , والحقيقة أن المشرك قد ظلم نفسه ظلما عظيما في الدنيا والآخرة , فأما في الدنيا فلأنه حرمها من السعادة الروحية التي يشعر بها الموحدون في عبادتهم لله تعالى , وأما في الآخرة فلأنه اختار لنفسه الطريق المؤدي إلى الشقاء الدائم , وحرمها من النعيم الدائم .
ويقول الله تبارك وتعالى :
(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان :14- 15 )
في هاتين الآيتين بيان عظم حق الوالدين وماينبغي عمله في أداء حقوقهما , فالله تعالى يأمر الولد ببر والديه والإحسان إليهما , ويبين شيئًا من معاناة الأم في حمل ولدها وإرضاعه ليكون ذلك أدعى إلى تذكر حقها على أولادها , فهي في أثناء حملها تنتقل من ضعف إلى ضعف لتأثير الحمل عليها, ثم تعاني الضعف والمشقة أثناء إرضاعها لمدة عامين , وبعد هذا التذكير بشيء من معاناة الوالدين تجاه أولادهما يذكر الله تعالى الوصية التي وصى بها الولد بوالديه حيث أمره بشكر والديه وشرَّفهما بقرن شكرهما مع شكره جل وعلا , وشُكرهما يكون بالقول والعمل , وذلك بمخاطبتهما بذلك والقيام ببرهما والإحسان إليهما وعدم إيذائهما بأي نوع من الأذى . ثم يبين تعالى أن المرجع إليه في الآخرة , فيكافئ المحسن إلى والديه ويعاقب المسيء إليهما .
ثم يبين الله تعالى أن طاعتهما مترتبة على طاعته جل وعلا فإذا كانا أو أحدهما على الضلال وأرادا حمل أولادهما على ذلك فلا تجوز طاعتهما , مع لزوم البقاء على برهما والإحسان إليهما , فإن في ذلك أداء لحقهما ودعوةً لهما إلى الهداية .
ثم يؤكد تعالى على أن مرجع البشر إليه في الآخرة فيحاسبهم على أعمالهم ويجازي كل إنسان بعمله , إنْ خيرًا فخير وإن شرّا فشر .
ويقول الله تبارك وتعالى :
(يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان :16-17-18- 19 ).
يوصي لقمان الحكيم ابنه فيقول : يابُنيّ اعلم بأن السيئة أو الحسنة إن تكن على أصغر وزن يمكن تصوره ثم تكون في أخفى مكان من باطن جبل أو أي مكان خفي في السموات أو في الأرض فإن الله جل جلاله يعلمها وسيحاسب عليها صاحبها يوم القيامة, إن الله عز وجل لطيف دقيق العلم لاتخفى عليه خافية , خبير بكل شيء.
ثم يوصي ابنه بالقيام بأبرز الطاعات حيث يقول : يابني أَدِّ الصلاة كاملة بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها , وشارك في إصلاح المجتمع وذلك بمحاولة تطهيره من المخالفات ليكون مجتمعًا صالحا , والْزم الصبر على مايصيبك من مصائب ونكبات حتي تحافظ على سلامة نفسك من الضعف والانهيار , ولِتحصلَ على الثواب الجزيل عند الله تعالى .
إن هذه الوصايا المذكورة مما جعله الله تعالى عزيمة على عباده وأوجبه عليهم , وهي في الوقت نفسه من عزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة .
ثم نهى ابنه عن الكبرياء فقال : (ولا تصعر خدك للناس) يعني ولاتُمِل وجهك للناس إذا كلمتهم أو كلموك أو ذُكروا عندك احتقارا لهم , ولاتمش في الأرض خيلاء وتبخترا إن الله لايحب أصحاب الخيلاء المتكبرين ولا الذين يفخرون على الناس بما تميزوا به من مال أو شرف أو قوة .
ثم يوصي ابنه بأن يقصد في مشيه وذلك بأن يمشي بوقار وسكينة وأن يغض من صوته فلا يتكلف في رفعه فإن أقبح الأصوات لصوت الحمير .
الشيخ د.عبد العزيز بن عبد الله الحميدي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
وبعد : يقول الله تبارك وتعالى :
(وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان :12- 13 ).
يخبرنا الله تعالى أنه أعطى عبدا من عباده الصالحين – وهو لقمان – الحكمة وهي الفقه في الدين وسلامة العقل والإصابة في القول والعمل , وإن من مقتضيات هذه الحكمة شكر الله تعالى على نعمه , فإن من يشكر الله جل وعلا فإنما يعود نفع شكره على نفسه , وذلك بالبركة في وقته وعلمه وعمله وماله , ومن جحد نعمة ربه عليه فإنه هو الخاسر لأن الله عز وجل غني عن شكره غير محتاج إليه , محمود من خلقه الذين يعرفون عظمته وجلاله .
واذكر – أيها الرسول – نصيحة لقمان لابنه حين قال له وهو يعظه : يابني لاتشرك بالله , فبدأ بنهيه عن الشرك لأنه أعظم الذنوب , ووصَفَ الشرك بأنه ظلم عظيم , لأن حقيقة الظلم هو صرف الحق عن أهله , والحق في العبادة لله تعالى وحده , لأنه هو الخالق وحده, فصرْف العبادة عنه إلى غيره وضعٌ للحق في غير موضعه , والحقيقة أن المشرك قد ظلم نفسه ظلما عظيما في الدنيا والآخرة , فأما في الدنيا فلأنه حرمها من السعادة الروحية التي يشعر بها الموحدون في عبادتهم لله تعالى , وأما في الآخرة فلأنه اختار لنفسه الطريق المؤدي إلى الشقاء الدائم , وحرمها من النعيم الدائم .
ويقول الله تبارك وتعالى :
(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان :14- 15 )
في هاتين الآيتين بيان عظم حق الوالدين وماينبغي عمله في أداء حقوقهما , فالله تعالى يأمر الولد ببر والديه والإحسان إليهما , ويبين شيئًا من معاناة الأم في حمل ولدها وإرضاعه ليكون ذلك أدعى إلى تذكر حقها على أولادها , فهي في أثناء حملها تنتقل من ضعف إلى ضعف لتأثير الحمل عليها, ثم تعاني الضعف والمشقة أثناء إرضاعها لمدة عامين , وبعد هذا التذكير بشيء من معاناة الوالدين تجاه أولادهما يذكر الله تعالى الوصية التي وصى بها الولد بوالديه حيث أمره بشكر والديه وشرَّفهما بقرن شكرهما مع شكره جل وعلا , وشُكرهما يكون بالقول والعمل , وذلك بمخاطبتهما بذلك والقيام ببرهما والإحسان إليهما وعدم إيذائهما بأي نوع من الأذى . ثم يبين تعالى أن المرجع إليه في الآخرة , فيكافئ المحسن إلى والديه ويعاقب المسيء إليهما .
ثم يبين الله تعالى أن طاعتهما مترتبة على طاعته جل وعلا فإذا كانا أو أحدهما على الضلال وأرادا حمل أولادهما على ذلك فلا تجوز طاعتهما , مع لزوم البقاء على برهما والإحسان إليهما , فإن في ذلك أداء لحقهما ودعوةً لهما إلى الهداية .
ثم يؤكد تعالى على أن مرجع البشر إليه في الآخرة فيحاسبهم على أعمالهم ويجازي كل إنسان بعمله , إنْ خيرًا فخير وإن شرّا فشر .
ويقول الله تبارك وتعالى :
(يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان :16-17-18- 19 ).
يوصي لقمان الحكيم ابنه فيقول : يابُنيّ اعلم بأن السيئة أو الحسنة إن تكن على أصغر وزن يمكن تصوره ثم تكون في أخفى مكان من باطن جبل أو أي مكان خفي في السموات أو في الأرض فإن الله جل جلاله يعلمها وسيحاسب عليها صاحبها يوم القيامة, إن الله عز وجل لطيف دقيق العلم لاتخفى عليه خافية , خبير بكل شيء.
ثم يوصي ابنه بالقيام بأبرز الطاعات حيث يقول : يابني أَدِّ الصلاة كاملة بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها , وشارك في إصلاح المجتمع وذلك بمحاولة تطهيره من المخالفات ليكون مجتمعًا صالحا , والْزم الصبر على مايصيبك من مصائب ونكبات حتي تحافظ على سلامة نفسك من الضعف والانهيار , ولِتحصلَ على الثواب الجزيل عند الله تعالى .
إن هذه الوصايا المذكورة مما جعله الله تعالى عزيمة على عباده وأوجبه عليهم , وهي في الوقت نفسه من عزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة .
ثم نهى ابنه عن الكبرياء فقال : (ولا تصعر خدك للناس) يعني ولاتُمِل وجهك للناس إذا كلمتهم أو كلموك أو ذُكروا عندك احتقارا لهم , ولاتمش في الأرض خيلاء وتبخترا إن الله لايحب أصحاب الخيلاء المتكبرين ولا الذين يفخرون على الناس بما تميزوا به من مال أو شرف أو قوة .
ثم يوصي ابنه بأن يقصد في مشيه وذلك بأن يمشي بوقار وسكينة وأن يغض من صوته فلا يتكلف في رفعه فإن أقبح الأصوات لصوت الحمير .
الشيخ د.عبد العزيز بن عبد الله الحميدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق