بناء الشخصية وتعزيز الثقة بالنفس


في البدء يجب ان نعي وندرك تماما ان تعزيز الثقة بالنفس يعتمد في بنائه على عوامل كثيره متغايرة في تراكيبها وصياغتها وفقا لآولويات وثقافات ومعتقدات الأفراد والشعوب التي ينتمي اليها الفرد،
ونظرا لأننا مسلمين ولله الحمد على فضلة ان خلقنا مسلمين سأتناول موضوع تعزيز وتدعيم الثقة بالنفس من جانبين خاص وعام كالتالي:



الجانب الخاص:
ويبدو هذا الجانب تقليدي في ترديده وحتما هو متجدد وغير تقليدي على الأطلاق حين تبصرة وادراكة بكل حواسنا وسيكون بمثابة المنبع والمصدر الرئيس الذي ندعم به ثقتنا بانفسنا ونسمو بها بكل قدرة وإتزان،

وهذا الجانب يتم من خلال التالي:
1. تفعيل الحالة الشعورية بالإيمان بالله وحسن الظن به: لعلنا ندرك ان اقوى دعائم ثقة المرء بنفسة يحددها مستوى علاقة العبد بربة، فكلما كانت هذه العلاقة متينة متماسكة بالطاعات والعبادات كلما شعر هذا الانسان بطاقة هائلة تشع في قلبة وفي كل مكان وكان كالطود شامخا وعلما بين اقرانه لايتأثر سلبا ويؤثر ايجابا بنفسه ومن حوله. فقد قال الله تعالى في محكم تنزيله:
(الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُعَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوابِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) فصلت 30
(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران 139

2. تفعيل الحالة الإدراكية من خلال فهم العلاقة بين التوكل على الله والإيمان بالقضاء والقدر: ان التوكل على الله سبحانة وتعالى يشكل في ذات الأنسان المسلم حافزا ودافعا وموجها قويا للعمل والعطاء بإخلاص، لذا يجب ان يدرك المؤمن ان دورة ينتهي في بذل الجهد والسعي في العمل دون الخوف والقلق على نتيجة هذا العمل ايا كانت، مما يترتب على هذا الأدراك إحساس المؤمن بالطمائنينة والآمان والراحة النفسية والعقلية. وبنفس الوقت الأيمان بالقضاء والقدر يشكل قناعة تامه لدى المؤمن بأن نتائج أي عمل بعد الجهد هي في علم الغيب، مما يترتب على هذا الأدراك إحساس المؤمن بالشعور بالغبطة والسعادة عندما تكون نتائج العمل ايجابية وكذلك الشعور بالرضى عن النفس وعدم السخط والجزع وتحميل النفس نتائج العمل السلبية بعد الأجتهاد. وكما قال شيخنا الفاضل عايض القرني " إذا رسخت هذه العقيدة وقرت في قلب المؤمن صارت البلية عطية ، والمحنة منحة ، وكل الوقائع جوائز".فقد قال الله تعالى
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا) الحديد 22
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة 51
وقال صلى الله عليه وسلم (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهكإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أنينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك إن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لميضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي

3. تفعيل الحالة العملية من خلال تطبيق القرآن عملا لا قولا فقط: فيكفي ان ننظر ونتقمص من الآيات صفات وخلق الواثقين المؤمنين وعلى رأسهم قدوتنا سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم (كان خلقة القرآن) وصحابته والتابعين وعظماء التاريخ الاسلامي من آئمة وعلماء وقادة والذين كان لهم أثر كبير في تغيير واعادة تشكيل امم وليس افراد فقط. فلنتدبر بعضا من هذه الآيات التي تصفهم لنستل منها ماشئنا من صفات وخلق كريم ونزرعها في قلوبنا. فقد قال الله تعالى:
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) البقرة 3
(كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)
الذاريات 17
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران 134
(وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر 9
(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) الشورى 37

الجانب العام:
وهذا الجانب له قدر ايضا كبير في بناء الشخصية المتماسكة والواثقة، وقد تبدو للبعض بأن بعض العوامل في هذا الجانب ليس لها دور كبير في بناء الشخصية وزيادة الثقة بالنفس وتعزيزها، وهذه حقيقة نظرة قاصرة حيث انه ثبت علميا من خلال العديد من الدراسات النفسية والأجتماعية (والتي لايسع ذكرها في هذا المقال) بأن تفعيل العوامل التالية قادر على تغيير شكل ومضمون الأنسان بشكل ايجابي من الداخل والخارج قادرا على التفاعل والاسهام بنجاح في حياته وحياة من حوله،

وهذا يتم من خلال التالي:
1. تفعيل مهارات التخاطب: لاشك ان المخزون اللغوي والثقافي يعد امر هام جدا في بناء الشخصية ولكن عند تعطيل اوعدم تفعيل استخدامه شفويا (لفظيا) فأنه لاقيمة لهذا المخزون ولا اثر له في بناء الشخصية، ومثال على هذا هو مانراه عند بعض مرضى الرهاب الأجتماعي حيث يبدع في الكتابة خلف الشاشة ويخشى التحادث والتحاور مع المجتمع المحيط به، لذا التركيز على تطوير مهارات التخاطب والتدريب على فنونه بدءا بنطاق ضيق كالتخاطب مع الذات امام المرءاة او تسجيل المخاطبة صوتيا ومن ثم التدرج في التدريب في التخاطب مع الوالدين او الاطفال او صديق ودود والانتقال الى نطاق اوسع في التدريب على التخاطب امام مجموعات صغيرة من الاصدقاء حتى تصل الى قدرة التخاطب مع عامة الناس وفي اماكن عامة، مع مراعاة دائما وضوح وعلو نبرة الصوت والألمام بموضوع التخاطب وكذلك اختيار الألفاظ التي تناسب سيكلوجية المتلقى، فلاتكترث او تهتم للأخطاء الصوتيه في استخدام الألفاظ المناسبة او في مخارج الحروف او حتى في تركيب الجمل فهي مع التدريب ستزول تدريجيا، واعلم وثق تماما إذا كان لديك عشرة اخطاء فكثير ممن يستمعون لك لديه عشرة الاف خطأ لفظي.

2. تفعيل التفكير الأيجابي: أي تفعيل التفاؤل والابتعاد عن التشاؤم في تعاملاتنا وتعاطينا مع امور الحياة، انظر للجانب الأيجابي لأي موقف (نصف الكأس الممتلىء لا النصف الفارغ)، كذلك قدم اتجاهات ايجابية للأمور والأحداث المستقبلية والمتوقعه، ففي تفعيل هذا الأسلوب يقدم الانسان على اي موقف ويتفاعل معه بخطى ثابته ومتزنه لايشوبها تردد او خوف.

3. تفعيل معايشة الواقع: فالبرغم من أهمية الأمال والطموح والخيال في شحذ الهمم وتشيكيل توجهاتنا الا اننا يجب ان ندرك ان اقدامنا لازالت على الارض وامكاناتنا وقدراتنا وتفكيرنا العقلي لا العاطفي هو الذي ينقلنا الى آفاق المستقبل، فمعايشة الواقع تتم من خلال النظر الى ماضينا وحاضرنا وبناءا عليه يتم أستشراف المستقبل، لذا يتطلب من الانسان ان يعي ان هناك عوامل خارجية كثيرة لها دور كبير في تغييرمسارات الخطط والأهدف التي نرسمها في حياتنا الدراسية والعملية والعائلية سلبا وايجابا، لذا ينصح دائما بوضع اهداف مرنة قصيرة قابلة للقياس والتغيير في أي وقت.

4. تفعيل اهمية الهيئة الخارجية: غالبا تتحقق الثقة بالنفس بدرجات عالية عندما يتوائم المظهر مع الجوهر بشكل ايجابي، ويتم من خلال الأتزان في الملبس من دون أهمال ينم عن فوضوية او تكلف ينم عن نقص داخلي، كذلك الأعتدال والأستقامة في الوقوف وعدم التراخي حتى لايوحي بالضعف والوهن والكسل، كذلك المشي بخطى ثابته ومتزنه والنظر للأمام مما يوحي بقدرة الفرد على الثقة والتحكم بإرادته وتوجيهها في التعامل مع نفسه والبيئة المحيطة به.

تفعيل المهارات الأجتماعية: ان بقدر امتلاك الفرد من مهارات اجتماعية والتي حثنا عليها ديننا الحنيف (كالتواصل والتراحم والتعاطف والتكافل والإيثار والمحبة والاخاء والصداقة والمبادرة في عمل الخير) بقدر ماكان مستوى ثقة هذا لفرد بنفسه عالية، واوأكد هنا على أهمية المبادرة وفعل الخير للناس في بناء الشخصية السوية الناجحة في المجتمع من دون الأنتظار والبحث عن مردرد دنيوي من الناس. لذا على الأنسان ان يسعى جاهدا ليبحث عن دورة في المجتمع مما ينعكس على ارضاء الذات واحساسها بقيمتها ويزيد من قدراتها وإمكاناتها في التعامل مع العوامل والظروف المتغايرة بنجاح، لما لا ففي كثير من المجتمعات المتحضرة يتم تفعيل والأهتمام بالعمل التطوعي وتنشيء له الهيئات والجمعيات التعاونية وذلك لما لها من دور فاعل في بناء الشخصية الناجحة واستشعار قيمتها في تطوير المجتمع المحيط بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق